الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقْبَلَ فِي شَيْءٍ مِنْ الشَّهَادَاتِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إِلاَّ عَدْلٌ رَضِيٌّ. وَالْعَدْلُ : هُوَ مَنْ لَمْ تُعْرَفْ لَهُ كَبِيرَةٌ , وَلاَ مُجَاهَرَةٌ بِصَغِيرَةٍ. وَالْكَبِيرَةُ : هِيَ مَا سَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبِيرَةً , أَوْ مَا جَاءَ فِيهِ الْوَعِيدُ. وَالصَّغِيرَةُ : مَا لَمْ يَأْتِ فِيهِ وَعِيدٌ. برهان ذَلِكَ : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : وَأَمَّا الصَّغَائِرُ : فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ : وَكَذَلِكَ مَنْ تَابَ مِنْ الْكُفْرِ فَمَا دُونَهُ فَإِنَّهُ إذَا سَقَطَ عَنْهُ بِالتَّوْبَةِ مَا تَابَ عَنْهُ لَمْ يَجُزْ لأََحَدٍ أَنْ يَذُمَّهُ بِمَا سَقَطَ عَنْهُ , وَلاَ أَنْ يَصِفَهُ بِهِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا : فَقَالَتْ طَائِفَةٌ : كُلُّ مُسْلِمٍ فَهُوَ عَدْلٌ حَتَّى يَثْبُتَ عَلَيْهِ الْفِسْقُ : كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ : ، حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ : ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ قَالَ : كَتَبَ عُمَرُ إلَى أَبِي مُوسَى : الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاَّ مُجَرَّبًا عَلَيْهِ شَهَادَةُ زُورٍ , أَوْ مَجْلُودًا فِي حَدٍّ , أَوْ ظَنِينًا فِي وَلاَءٍ , أَوْ قَرَابَةٍ. وَحَدَّثَنَاهُ أَيْضًا : أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ الْعُذُرِيُّ قَالَ : ، حَدَّثَنَا أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ , وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ الْفَارِسِيُّ قَالَ : ، حَدَّثَنَا أَبُو ذَرٍّ : ، حَدَّثَنَا الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ الْقَاضِي السِّجِسْتَانِيُّ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى الْقَطَّانُ ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْوَلِيدِ بْنُ مَعْدَانَ عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى فَذَكَرَهُ كَمَا هُوَ وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ الْفَارِسِيُّ : ، حَدَّثَنَا الْقَاضِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَرْخِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَلَّافُ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَرَّاقُ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنُ أَبِي عُمَرَ الْعَدَنِيُّ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إدْرِيسَ بْنِ يَزِيدَ الأَوْدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إلَى أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ , فَذَكَرَهُ كَمَا أَوْرَدْنَاهُ. قال أبو محمد : فِي هَذِهِ الرِّسَالَةِ بِبَعْضِ هَذِهِ الأَسَانِيدِ " وَقِسْ الْأُمُورَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ " وَفِي بَعْضِهَا " وَاعْرِفْ الأَشْبَاهَ وَالأَمْثَالَ " وَعَلَيْهَا عَوَّلَ الْحَنَفِيُّونَ , وَالْمَالِكِيُّونَ , وَالشَّافِعِيُّونَ , فِي الْحُكْمِ بِالْقِيَاسِ , ثُمَّ لَمْ يُبَالُوا بِخِلاَفِهَا فِي أَنَّ " الْمُسْلِمِينَ عُدُولٌ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ , إِلاَّ مُجَرَّبًا عَلَيْهِ شَهَادَةُ زُورٍ , أَوْ ظَنِينًا فِي وَلاَءٍ , أَوْ قَرَابَةٍ ". فَالْمَالِكِيُّونَ , وَالشَّافِعِيُّونَ : مُجَاهِرُونَ بِخِلاَفِ هَذَا , وَالْمُسْلِمُونَ عِنْدَهُمْ عَلَى الرَّدِّ حَتَّى تَصِحَّ الْعَدَالَةُ. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ : فَالْمُسْلِمُونَ عِنْدَهُ عَلَى الْعَدَالَةِ حَتَّى يَطْعَنَ الْخَصْمُ فِي الشَّاهِدِ فَإِذَا طَعَنَ فِيهِ الْخَصْمُ تَوَقَّفَ فِي شَهَادَتِهِ حَتَّى تَثْبُتَ لَهُ الْعَدَالَةُ. فَهَذَا كُلُّهُ بِخِلاَفِ قَوْلِ عُمَرَ , فَمَرَّةً قَوْلُهُ حُجَّةٌ , وَمَرَّةً قَوْلُهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ , وَهَذَا كَمَا تَرَى , فإن قيل : قَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ ، حَدَّثَنَا الأَشْجَعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ : الْعَدْلُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الَّذِي لَمْ تَظْهَرْ مِنْهُ رِيبَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ : ، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ هُوَ أَبُو الْيَمَانِ ، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ ، هُوَ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ : أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : سَمِعْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ : إنَّ نَاسًا كَانُوا يُؤْخَذُونَ بِالْوَحْيِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّ الْوَحْيَ قَدْ انْقَطَعَ , وَإِنَّمَا نَأْخُذُكُمْ الآنَ بِمَا ظَهَرَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ , فَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَمِنَّاهُ وَقَرَّبْنَاهُ , وَلَيْسَ لَنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شَيْءٌ , وَاَللَّهُ يُحَاسِبُهُ فِي سَرِيرَتِهِ , وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوءًا لَمْ نَأْمَنْهُ وَلَمْ نُصَدِّقْهُ , وَإِنْ قَالَ : إنَّ سَرِيرَتَهُ حَسَنَةٌ. قلنا : هَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ عَنْ عُمَرَ , وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا عَنْهُ فَمُتَّفَقٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ فَهُوَ عَدْلٌ مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ شَرٌّ , وَكَذَلِكَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ , وَكَذَلِكَ مَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ عُمَرَ قِيلَ لَهُ : إنَّ شَهَادَةَ الزُّورِ قَدْ فَشَتْ فَقَالَ : لاَ يُوسَرُ رَجُلٌ فِي الإِسْلاَمِ بِغَيْرِ الْعُدُولِ : مَعْنَاهُ عَلَى ظَاهِرِهِ : أَنَّ الْعُدُولَ هُمْ الْمُسْلِمُونَ إِلاَّ مَنْ صَحَّتْ عَلَيْهِ شَهَادَةُ زُورٍ. حَدَّثَنَا بِذَلِكَ حُمَامٌ عَنْ الْبَاجِيَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ ، حَدَّثَنَا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : أَلَّا لاَ يُوسَرُ أَحَدٌ فِي الإِسْلاَمِ بِشُهُودِ الزُّورِ , فَإِنَّا لاَ نَقْبَلُ إِلاَّ الْعُدُولَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ : ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ : تَجُوزُ شَهَادَةُ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ مَا لَمْ يُصِبْ حُرًّا أَوْ تُعْلَمْ عَلَيْهِ خَرَبَةٌ فِي دِينِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ عَوْفٍ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يُجِيزُ شَهَادَةَ مَنْ صَلَّى إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَ الْخَصْمُ بِمَا يُجَرِّحُهُ بِهِ. فإن قيل : قَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ لاَ يَجُوزُ فِي الطَّلاَقِ شَهَادَةُ ظَنِينٍ ، وَلاَ مُتَّهَمٍ. قلنا : قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ خَصَّ الطَّلاَقَ , لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ : قال أبو محمد : احْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْمُسْلِمِينَ عُدُولٌ حَتَّى تَصِحَّ الْجُرْحَةُ : بِأَنَّهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ جُرْحَةٍ , فَلَمَّا بَلَغَ مُسْلِمًا , فَالْإِسْلاَمُ خَيْرٌ , بَلْ هُوَ جَامِعٌ لِكُلِّ خَيْرٍ فَقَدْ صَحَّ مِنْهُ الْخَيْرُ , فَهُوَ عَدْلٌ حَتَّى يُوقَنَ مِنْهُ بِضِدِّ ذَلِكَ. . فَقُلْنَا : إذَا بَلَغَ الْمُسْلِمُ فَقَدْ صَارَ فِي نِصَابِ مَنْ يُكْتَبُ لَهُ الْخَيْرُ , وَيُكْتَبُ عَلَيْهِ الشَّرُّ , وَلاَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ سَلِمَ مِنْ ذَنْبٍ. قَالَ تَعَالَى : وَقَالَ تَعَالَى : قال أبو محمد : وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : مَنْ سَلِمَ مِنْ الْفَوَاحِشِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الْحُدُودُ وَمَا يُشْبِهُ مَا يَجِبُ فِيهِ الْحُدُودُ مِنْ الْعَظَائِمِ , وَكَانَ يُؤَدِّي الْفَرَائِضَ , وَأَخْلاَقُ الْبِرِّ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ الْمَعَاصِي : قَبِلْنَا شَهَادَتَهُ ; لأََنَّهُ لاَ يَسْلَمُ عَبْدٌ مِنْ ذَنْبٍ. وَإِنْ كَانَتْ الْمَعَاصِي أَكْثَرَ مِنْ أَخْلاَقِ الْبِرِّ رَدَدْنَا شَهَادَتَهُ. وَلاَ نُجِيزُ شَهَادَةَ مَنْ يَلْعَبُ بِالشِّطْرَنْجِ وَيُقَامِرُ عَلَيْهَا. وَلاَ مَنْ يَلْعَبُ بِالْحَمَامِ وَيُطَيِّرُهَا. وَلاَ مَنْ يُكْثِرُ الْحَلِفَ بِالْكَذِبِ. قال أبو محمد : هَذَا كَلاَمٌ مُتَنَاقِضٌ ; لأََنَّهُ بَنَاهُ عَلَى كَثْرَةِ الْخَيْرِ وَكَثْرَةِ الشَّرِّ وَهَذَا بَاطِلٌ ; لأََنَّهُ مَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ زِنًى مَرَّةً فَهُوَ فَاسِقٌ حَتَّى يَتُوبَ. ثُمَّ رَدَّ الشَّهَادَةَ بِاللَّعِبِ بِالْحَمَامِ وَمَا نَدْرِي ذَلِكَ مُحَرَّمًا مَا لَمْ يَسْرِقْ حَمَامَ النَّاسِ. وقال الشافعي : إذَا كَانَ الأَغْلَبُ وَالأَظْهَرُ مِنْ أَمْرِهِ الطَّاعَةَ وَالْمُرُوءَةَ : قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ , وَإِذَا كَانَ الأَغْلَبُ مِنْ أَمْرِهِ الْمَعْصِيَةَ , وَخِلاَفَ الْمُرُوءَةِ : رُدَّتْ شَهَادَتُهُ. قال أبو محمد : كَانَ يَجِبُ أَنْ يَكْتَفِيَ بِذِكْرِ الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ , وَأَمَّا ذِكْرُهُ الْمُرُوءَةَ هَاهُنَا فَفُضُولٌ مِنْ الْقَوْلِ وَفَسَادٌ فِي الْقَضِيَّةِ ; لأََنَّهَا إنْ كَانَتْ مِنْ الطَّاعَةِ فَالطَّاعَةُ تُغْنِي عَنْهَا , وَإِنْ كَانَتْ لَيْسَتْ مِنْ الطَّاعَةِ فَلاَ يَجُوزُ اشْتِرَاطُهَا فِي أُمُورِ الدِّيَانَةِ , إذْ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ نَصُّ قُرْآنٍ ، وَلاَ سُنَّةٍ. وقال مالك فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْهُ : مَنْ كَانَ أَكْثَرُ أَمْرِهِ الطَّاعَةَ وَلَمْ يُقْدِمْ عَلَى كَبِيرَةٍ فَهُوَ عَدْلٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ , وَأَصْحَابِنَا , وَهُوَ الْحَقُّ كَمَا بَيَّنَّا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقْبَلَ فِي الزِّنَى أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةِ رِجَالٍ عُدُولٍ مُسْلِمِينَ , أَوْ مَكَانَ كُلِّ رَجُلٍ امْرَأَتَانِ مُسْلِمَتَانِ عَدْلَتَانِ , فَيَكُونُ ذَلِكَ ثَلاَثَةَ رِجَالٍ وَامْرَأَتَيْنِ , أَوْ رَجُلَيْنِ وَأَرْبَعَ نِسْوَةٍ , أَوْ رَجُلاً وَاحِدًا وَسِتَّ نِسْوَةٍ , أَوْ ثَمَانِ نِسْوَةٍ فَقَطْ. وَلاَ يُقْبَلُ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ كُلِّهَا مِنْ الْحُدُودِ وَالدِّمَاءِ , وَمَا فِيهِ الْقِصَاصُ وَالنِّكَاحُ , وَالطَّلاَقُ , وَالرَّجْعَةُ , وَالأَمْوَالُ , إِلاَّ رَجُلاَنِ مُسْلِمَانِ عَدْلاَنِ ; أَوْ رَجُلاَنِ وَامْرَأَتَانِ كَذَلِكَ , أَوْ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ كَذَلِكَ وَيُقْبَلُ فِي كُلِّ ذَلِكَ حَاشَا الْحُدُودَ رَجُلٌ وَاحِدٌ عَدْلٌ أَوْ امْرَأَتَانِ كَذَلِكَ مَعَ يَمِينِ الطَّالِبِ. وَيُقْبَلُ فِي الرَّضَاعِ وَحْدَهُ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ عَدْلَةٌ أَوْ رَجُلٌ وَاحِدٌ عَدْلٌ. فأما وُجُوبُ قَبُولِ أَرْبَعَةٍ فِي الزِّنَى فَبِنَصِّ الْقُرْآنِ , وَلاَ خِلاَفَ فِيهِ , قَالَ تَعَالَى : وَأَمَّا قَبُولُ رَجُلَيْنِ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ كُلِّهَا , أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فِي الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ , فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : وَقَالَ تَعَالَى : وَادَّعَى قَوْمٌ : أَنَّ قَبُولَ عَدْلَيْنِ مِنْ الرِّجَالِ فِي سَائِرِ الأَحْكَامِ قِيَاسًا عَلَى نَصِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي الطَّلاَقِ وَالرَّجْعَةِ. وَاخْتَلَفُوا فِي قَبُولِ شَهَادَةِ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ فِي شَيْءٍ مِنْ الأَشْيَاءِ , وَفِي قَبُولِهِنَّ مَعَ رَجُلٍ فِيمَا عَدَا الدُّيُونَ الْمُؤَجَّلَةَ. وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِقَبُولِهِنَّ مُنْفَرِدَاتٍ فِي كَمْ يُقْبَلُ مِنْهُنَّ فِي ذَلِكَ. وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي الشَّاهِدِ وَيَمِينِ الطَّالِبِ فَقَالَ زُفَرُ صَاحِبُ أَبِي حَنِيفَةَ : لاَ يَجُوزُ قَبُولُ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ دُونَ رَجُلٍ فِي شَيْءٍ أَصْلاً , لاَ فِي وِلاَدَةٍ ، وَلاَ فِي رَضَاعٍ , وَلاَ فِي عُيُوبِ النِّسَاءِ , وَلاَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَأَجَازَهُنَّ مَعَ رَجُلٍ فِي الطَّلاَقِ , وَالنِّكَاحِ , وَالْعِتْقِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ بُرْدٍ عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ : لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ إِلاَّ فِي الدَّيْنِ. وَرُوِّينَا ضِدَّ هَذَا عَنْ الشَّعْبِيِّ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ : مِنْ الشَّهَادَاتِ شَهَادَةٌ لاَ يَجُوزُ فِيهَا إِلاَّ شَهَادَاتُ النِّسَاءِ. وَمِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ قَالَ : مَضَتْ السُّنَّةُ أَنْ تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِيمَا لاَ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُنَّ وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ الْقَعْقَاعِ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ : لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ وَحْدَهُنَّ إِلاَّ عَلَى مَا لاَ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُنَّ مِنْ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَحَمْلِهِنَّ وَحَيْضِهِنَّ. وَمِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى ، عَنِ ابْنِ ضُمَيْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيٍّ : لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ بَحْتًا حَتَّى يَكُونَ مَعَهُنَّ رَجُلٌ. وَعَنْ عَطَاءٍ مِثْلُ هَذَا وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِثْلُهُ صَحَّ عَنْهُمَا. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ : لاَ تُقْبَلُ النِّسَاءُ إِلاَّ فِيمَا لاَ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُنَّ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ , وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ , قَالَ الزُّهْرِيُّ : عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ , وَقَالَ الْحَكَمُ : عَنْ عَلِيٍّ , ثُمَّ اتَّفَقَ عُمَرُ , وَعَلِيٌّ : عَلَى أَنَّهُ لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الطَّلاَقِ ; ، وَلاَ فِي النِّكَاحِ , وَلاَ فِي الدِّمَاءِ , وَلاَ الْحُدُودِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ : مَضَتْ السُّنَّةُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخَلِيفَتَيْنِ بَعْدَهُ : أَنَّهُ لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ , وَالنِّكَاحِ , وَالطَّلاَقِ. وَصَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ : أَنَّهُ لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الطَّلاَقِ , وَلاَ فِي النِّكَاحِ , وَلاَ فِي الْحُدُودِ وَأَجَازَ شَهَادَةَ امْرَأَتَيْنِ مَعَ رَجُلٍ فِي الْعِتْقِ , وَالْوَصِيَّةِ , وَالدَّيْنِ. وَصَحَّ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ : لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ , وَلاَ فِي جِرَاحِ الْعَمْدِ , وَلاَ فِي الطَّلاَقِ , وَلاَ فِي النِّكَاحِ , وَلاَ مَعَ رَجُلٍ ، وَلاَ دُونَهُ , وَأَنَّهَا جَائِزَةٌ فِي جِرَاحِ الْخَطَأِ , وَفِي الْوَصَايَا , وَفِي الدُّيُونِ مَعَ رَجُلٍ , وَفِيمَا لاَ بُدَّ مِنْهُ. وَعَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ : فِي قَتْلٍ , وَلاَ فِي حَدٍّ , وَلاَ فِي طَلاَقٍ , وَلاَ نِكَاحٍ. وَعَنْ قَتَادَةَ : لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ : فِي طَلاَقٍ , وَلاَ فِي نِكَاحٍ. وَعَنْ الزُّهْرِيِّ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ : فِي حَدٍّ , وَلاَ طَلاَقٍ , وَلاَ نِكَاحٍ ، وَلاَ عِتْقٍ وَأَجَازَهَا : فِي الْوَصَايَا فِي الدُّيُونِ , وَفِي الْقَتْلِ. وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ : لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الطَّلاَقِ. وَعَنْ رَبِيعَةَ : لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي طَلاَقٍ , وَلاَ نِكَاحٍ , وَلاَ حَدٍّ , وَلاَ عِتْقٍ وَتَجُوزُ فِي الْبُيُوعِ , وَفِي كُلِّ حَقٍّ يَتَرَاضَوْنَ فِيهِ , وَيَتَعَاطَوْنَ الْمَعْرُوفَ عَلَيْهِ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ : تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الدِّيَةِ. وَصَحَّ عَنْ شُرَيْحٍ : أَنَّهُ أَجَازَ شَهَادَةَ امْرَأَتَيْنِ فِي عَتَاقَةٍ مَعَ رَجُلٍ. وَصَحَّ عَنْ الشَّعْبِيِّ : قَبُولُ شَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فِي الطَّلاَقِ , وَجِرَاحِ الْخَطَأِ , وَلَمْ يُجِزْ شَهَادَةَ النِّسَاءِ فِي جِرَاحِ عَمْدٍ , وَلاَ فِي حَدٍّ. وَصَحَّ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ : قَبُولُ النِّسَاءِ مَعَ رَجُلٍ فِي الطَّلاَقِ وَالنِّكَاحِ. وَصَحَّ عَنْ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ : قَبُولُ امْرَأَتَيْنِ فِي الطَّلاَقِ. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ : لاَ تُقْبَلُ النِّسَاءُ فِي الْحُدُودِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ : أَنَّ شُرَيْحًا أَجَازَ شَهَادَةَ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ عَلَى رَجُلٍ فِي صَدَاقِ امْرَأَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ حُجَيْرٍ عَمَّنْ يَرْضَى كَأَنَّهُ يُرِيدُ طَاوُوسًا قَالَ : تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي كُلِّ شَيْءٍ مَعَ الرِّجَالِ , إِلاَّ الزِّنَى مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرْنَ إلَى ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ ، هُوَ ابْنُ هَارُونَ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْخِرِّيتِ عَنْ أَبِي لَبِيدٍ قَالَ : إنَّ سَكْرَانَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاَثًا , فَشَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ , فَرُفِعَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , فَأَجَازَ شَهَادَةَ النِّسْوَةِ , وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ حِرَاشِ بْنِ مَالِكٍ الْجَهْضَمِيِّ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ رَجُلاً مِنْ عُمَانَ تَمَلَّأَ مِنْ الشَّرَابِ فَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاَثًا , فَشَهِدَ عَلَيْهِ نِسْوَةٌ , فَكُتِبَ فِي ذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَجَازَ شَهَادَةَ النِّسْوَةِ , وَأَبَتَّ عَلَيْهِ الطَّلاَقَ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِي ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو طَلْقٍ عَنْ امْرَأَةٍ : أَنَّ امْرَأَةً وَطِئَتْ صَبِيًّا فَقَتَلَتْهُ , فَشَهِدَ عَلَيْهَا أَرْبَعُ نِسْوَةٍ , فَأَجَازَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ شَهَادَتَهُنَّ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ أَبِي طَلْقٍ عَنْ أُخْتِهِ هِنْدَ بِنْتِ طَلْقٍ قَالَتْ : كُنْت فِي نِسْوَةٍ وَصَبِيٌّ مُسَجًّى , فَقَامَتْ امْرَأَةٌ فَمَرَّتْ فَوَطِئَتْهُ , فَقَالَتْ أُمُّ الصَّبِيِّ : قَتَلْتِهِ وَاَللَّهِ , فَشَهِدَ عِنْدَ عَلِيٍّ عَشْرُ نِسْوَةٍ أَنَا عَاشِرَتُهُنَّ فَقَضَى عَلِيٌّ عَلَيْهَا بِالدِّيَةِ وَأَعَانَهَا بِأَلْفَيْنِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ : أَجَازَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ شَهَادَةَ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ : فِي الطَّلاَقِ , وَالنِّكَاحِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ : أَنَّهُ أَجَازَ شَهَادَةَ النِّسَاء فِي النِّكَاحِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ الضَّرِيرُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ : لَوْ شَهِدَ عِنْدِي ثَمَانِي نِسْوَةٍ عَلَى امْرَأَةٍ بِالزِّنَى لَرَجَمْتهَا.وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ : تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَتَجُوزُ عَلَى الزِّنَى امْرَأَتَانِ وَثَلاَثَةُ رِجَالٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ : أَنَّ رَجُلاً ادَّعَى مَتَاعَ الْبَيْتِ , فَجَاءَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ يَشْهَدْنَ فَقُلْنَ : دَفَعْنَا إلَيْهِ الصَّدَاقَ وَقُلْنَا : جَهِّزْهَا فَقَضَى شُرَيْحٌ عَلَيْهِ بِالْمَتَاعِ وَقَالَ لَهُ : إنَّ عُقْرَهَا مِنْ مَالِكَ هَذَا فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ. وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ : فَإِنَّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ قَالَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ : تُقْبَلُ الْمَرْأَتَانِ مَعَ رَجُلٍ فِي الْقِصَاصِ , وَفِي الطَّلاَقِ , وَالنِّكَاحِ , وَكُلِّ شَيْءٍ حَاشَ الْحُدُودَ وَيُقْبَلْنَ مُنْفَرِدَاتٍ فِيمَا لاَ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إِلاَّ النِّسَاءُ. وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ , وَسُفْيَانَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ : يُقْبَلْنَ مَعَ رَجُلٍ فِي الطَّلاَقِ , وَالنِّكَاحِ , وَكُلِّ شَيْءٍ حَاشَ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصَ وَيُقْبَلْنَ مُنْفَرِدَاتٍ فِيمَا لاَ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إِلاَّ النِّسَاءُ , وَلاَ يُقْبَلُ فِي الرَّضَاعِ إِلاَّ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ : لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاء مَعَ رَجُلٍ فِي الْحُدُودِ , وَتُصَدَّقُ الْمَرْأَةُ وَحْدَهَا فِي الْوِلاَدَةِ : أَنَّهَا وَلَدَتْ هَذَا الْوَلَدَ , وَيُلْحَقُ نَسَبُهُ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ لَهَا بِذَلِكَ أَحَدٌ سِوَاهَا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى : يُقْبَلْنَ مُنْفَرِدَاتٍ فِي عُيُوبِ النِّسَاءِ , وَمَا لاَ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إِلاَّ النِّسَاءُ , وَلاَ يُقْبَلُ فِي الرَّضَاعِ إِلاَّ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ رَجُلاَنِ. وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ : يُقْبَلْنَ مُنْفَرِدَاتٍ فِيمَا لاَ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ , وَلاَ يُقْبَلْنَ مَعَ رَجُلٍ : لاَ فِي قِصَاصٍ , وَلاَ حَدٍّ , وَلاَ طَلاَقٍ , وَلاَ نِكَاحٍ وَتَجُوزُ شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ وَرَجُلٍ فِي الْعِتْقِ وَالْوَصِيَّةِ. وقال أبو حنيفة : تُقْبَلُ شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ , وَرَجُلٍ فِي جَمِيعِ الأَحْكَامِ أَوَّلِهَا عَنْ آخِرِهَا , حَاشَ الْقِصَاصَ وَالْحُدُودَ وَيُقْبَلْنَ فِي الطَّلاَقِ وَالنِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ مَعَ رَجُلٍ ، وَلاَ يُقْبَلْنَ مُنْفَرِدَاتٍ : لاَ فِي الرَّضَاعِ , وَلاَ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِالْوِلاَدَةِ , وَلاَ فِي الأَسْتِهْلاَلِ لَكِنْ مَعَ رَجُلٍ وَيُقْبَلْنَ فِي الْوِلاَدَةِ الْمُطْلَقَةِ , وَعُيُوبِ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ , ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ : وَيُقْبَلْنَ مُنْفَرِدَاتٍ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِالْوِلاَدَةِ , وَفِي الأَسْتِهْلاَلِ. وقال مالك : لاَ تُقْبَلُ النِّسَاءُ مَعَ رَجُلٍ ، وَلاَ دُونَهُ : فِي قِصَاصٍ , وَلاَ حَدٍّ , وَلاَ طَلاَقٍ , وَلاَ نِكَاحٍ , وَلاَ رَجْعَةٍ , وَلاَ عِتْقٍ , وَلاَ نَسَبٍ , وَلاَ وَلاَءٍ , وَلاَ إحْصَانٍ. وَتَجُوزُ شَهَادَتُهُنَّ مَعَ رَجُلٍ فِي الدُّيُونِ , وَالأَمْوَالِ , وَالْوَكَالَةِ , وَالْوَصِيَّةِ الَّتِي لاَ عِتْقَ فِيهَا وَيُقْبَلْنَ مُنْفَرِدَاتٍ : فِي عُيُوبِ النِّسَاءِ , وَالْوِلاَدَةِ , وَالرَّضَاعِ وَالأَسْتِهْلاَلِ وَحَيْثُ يُقْبَلُ شَاهِدٌ وَيَمِينُ الطَّالِبِ , فَإِنَّهُ يُقْضَى فِيهِ بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ وَيَمِينِ الطَّالِبِ , وَيُقْضَى بِامْرَأَتَيْنِ مَعَ أَيْمَانِ الْمُدَّعِي فِي الْقَسَامَةِ. وقال الشافعي : تُقْبَلُ شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ مَعَ رَجُلٍ فِي الأَمْوَالِ كُلِّهَا , وَفِي الْعِتْقِ ; لأََنَّهُ مَالٌ , وَفِي قَتْلِ الْخَطَأِ , وَفِي الْوَصِيَّةِ لأَِنْسَانٍ بِمَالٍ ، وَلاَ يُقْبَلْنَ فِي أَصْلِ الْوَصِيَّةِ لاَ مَعَ رَجُلٍ ، وَلاَ دُونَهُ وَيُقْبَلْنَ مُنْفَرِدَاتٍ فِيمَا لاَ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إِلاَّ النِّسَاءُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : لاَ تُقْبَلُ النِّسَاءُ مَعَ رَجُلٍ إِلاَّ فِي الأَمْوَالِ خَاصَّةً. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ : لاَ يُقْبَلْنَ مَعَ رَجُلٍ إِلاَّ فِي الأَمْوَالِ خَاصَّةً. وَأَمَّا اخْتِلاَفُهُمْ فِي عَدَدِ مَا يُقْبَلُ مِنْهُنَّ حَيْثُ يُقْبَلْنَ مُنْفَرِدَاتٍ. فَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ كَمَا ذَكَرْنَا أَنَّ مَكَانَ كُلِّ شَاهِدٍ رَجُلٌ امْرَأَتَانِ فَلاَ يُقْبَلُ فِيمَا يُقْبَلُ فِيهِ رَجُلاَنِ إِلاَّ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ. وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِثْلُ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ , وَالنَّخَعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمَا , وَعَطَاءٍ , وَقَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ جُمْلَةً , وَابْنِ شُبْرُمَةَ , وَالشَّافِعِيُّ , وَأَصْحَابِهِ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِهِ , إِلاَّ أَنَّهُمْ قَالُوا : تُقْبَلُ فِي الرَّضَاعِ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ. وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ : لاَ يُقْبَلُ فِيمَا يُقْبَلُ فِيهِ النِّسَاءُ مُنْفَرِدَاتٍ إِلاَّ ثَلاَثُ نِسْوَةٍ لاَ أَقَلُّ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : تُقْبَلُ امْرَأَتَانِ فِي كُلِّ مَا يُقْبَلُ فِيهِ النِّسَاءُ مُنْفَرِدَاتٍ وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ إِلاَّ فِي الأَسْتِهْلاَلِ خَاصَّةً , فَإِنَّهُ يَقْبَلُ فِيهِ الْقَابِلَةُ وَحْدَهَا. وَقَالَ الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ : يُقْبَلُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ امْرَأَتَانِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَمَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ , وَأَبِي عُبَيْدٍ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : تُقْبَلُ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ. رُوِّينَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه: أَنَّهُ أَجَازَ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ وَحْدَهَا وَرُوِّينَا ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ , وَعُمَرَ رضي الله عنهما فِي الأَسْتِهْلاَلِ , وَأَنَّ عُمَرَ وَرَّثَ بِذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ , وَالنَّخَعِيِّ , وَالشَّعْبِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمَا وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ , وَشُرَيْحٍ , وَأَبِي الزِّنَادِ , وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ وَرَبِيعَةَ , وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ : وَإِنْ كَانَتْ يَهُودِيَّةً كُلُّ ذَلِكَ قَالُوهُ فِي الأَسْتِهْلاَلِ , إِلاَّ الشَّعْبِيُّ , وَحَمَّادًا فَقَالاَ : فِي كُلِّ مَا لاَ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إِلاَّ النِّسَاءُ وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ : يُقْبَلُ فِي عُيُوبِ النِّسَاءِ , وَمَا لاَ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إِلاَّ النِّسَاءُ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَأَصْحَابِهِ وَصَحَّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ , وَعَلِيٌّ أَمِيرَيْ الْمُؤْمِنِينَ ، وَابْنُ عُمَرَ , وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ , وَالزُّهْرِيُّ وَرُوِيَ عَنْ رَبِيعَةَ , وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَأَبِي الزِّنَادِ , وَالنَّخَعِيِّ , وَشُرَيْحٍ , وطَاوُوس , وَالشَّعْبِيِّ : الْحُكْمُ فِي الرَّضَاعِ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ. وَأَنَّ عُثْمَانَ فَرَّقَ بِشَهَادَتِهِمَا بَيْنَ الرِّجَالِ وَنِسَائِهِمْ وَذَكَرَ الزُّهْرِيُّ أَنَّ النَّاسَ عَلَى ذَلِكَ وَذَكَرَ الشَّعْبِيُّ ذَلِكَ عَنْ الْقَضَاءِ جُمْلَةً وَرُوِيَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا تُسْتَحْلَفُ مَعَ ذَلِكَ. وَصَحَّ عَنْ مُعَاوِيَةَ : أَنَّهُ قَضَى فِي دَارٍ بِشَهَادَةِ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها وَلَمْ يُشْهِدْ بِذَلِكَ غَيْرَهَا. وَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ , وَعَلِيٍّ , وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ , وَابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّهُمْ لَمْ يُفَرِّقُوا بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الرَّضَاعِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ , قَالَ : أُفْتِي فِي ذَلِكَ بِالْفُرْقَةِ ، وَلاَ أَقْضِي بِهَا. وَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ : ، أَنَّهُ قَالَ : لَوْ فَتَحْنَا هَذَا الْبَابَ لَمْ تَشَأْ امْرَأَةٌ أَنْ تُفَرِّقَ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَتِهِ إِلاَّ فَعَلَتْ. وَقَالَ الأَوْزَاعِيِّ : أَقْضِي بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ , قَبْلَ النِّكَاحِ , وَأَمْنَعُ مِنْ النِّكَاحِ , وَلاَ أُفَرِّقُ بِشَهَادَتِهِمَا بَعْدَ النِّكَاحِ. قال أبو محمد : فَكَانَ مِنْ حُجَّةِ مَنْ لَمْ يَرَ قَبُولَ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ , وَلاَ قَبُولَ امْرَأَةٍ مَعَ رَجُلٍ إِلاَّ فِي الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ فَقَطْ , أَنْ قَالُوا : أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الزِّنَى بِقَبُولِ أَرْبَعَةٍ , وَفِي الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ بِرَجُلَيْنِ , أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ , وَفِي الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ بِاثْنَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ , أَوْ بِاثْنَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ يَحْلِفَانِ مَعَ شَهَادَتِهِمَا , وَفِي الطَّلاَقِ وَالرَّجْعَةِ بِذَوَيْ عَدْلٍ مِنَّا. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّدَاعِي فِي أَرْضٍ شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ , لَيْسَ لَكَ إِلاَّ ذَلِكَ فَلَمْ يَذْكُرْ اللَّهُ تَعَالَى ، وَلاَ رَسُولُهُ عليه الصلاة والسلام عَدَدَ الشُّهُودِ وَصِفَتَهُمْ إِلاَّ فِي هَذِهِ النُّصُوصِ فَقَطْ , فَوَجَبَ الْوُقُوفُ عِنْدَهَا , وَأَنْ لاَ تَتَعَدَّى , وَأَنْ لاَ يُقْبَلَ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ إِلاَّ مَا اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى قَبُولِهِ. قال أبو محمد : مَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِمَّنْ يُخَالِفُنَا اتَّبَعَ فِي أَقْوَالِهِ فِي الشَّهَادَاتِ النُّصُوصَ الثَّابِتَةَ مِنْ الْقُرْآنِ , وَلاَ مِنْ السُّنَنِ , وَلاَ مِنْ الْإِجْمَاعِ , وَلاَ مِنْ الْقِيَاسِ , وَلاَ مِنْ الأَحْتِيَاطِ , وَلاَ مِنْ قَوْلِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، فَكُلُّ أَقْوَالٍ كَانَتْ هَكَذَا فَهِيَ مُتَخَاذِلَةٌ مُتَنَاقِضَةٌ بَاطِلٌ , لاَ يَحِلُّ الْقَوْلُ بِهَا فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى , وَلاَ يَجُوزُ الْحُكْمُ بِهَا , فِي دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ , وَفُرُوجِهِمْ , وَأَبْشَارِهِمْ , وَأَمْوَالِهِمْ , وَذَلِكَ أَنَّنَا هَبْكَ أَمْسَكْنَا الآنَ عَنْ الأَعْتِرَاضِ عَلَى احْتِجَاجِهِمْ بِالنُّصُوصِ الْمَذْكُورَةِ , لَكِنْ لِنُرِيَهُمْ بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُوَّتِهِ مُخَالَفَتَهُمْ لَهَا جِهَارًا : أَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ : فَأَجَازَ شَهَادَةَ النِّسَاءِ فِي النِّكَاحِ , وَالطَّلاَقِ , وَالرَّجْعَةِ مَعَ رَجُلٍ , وَلَيْسَ هَذَا فِي شَيْءٍ مِنْ الآيَاتِ , بَلْ فِيهَا : فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ. فَمَنْ أَعْجَبُ شَأْنًا مِمَّنْ يَرَى خَبَرَ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ خِلاَفًا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : فَإِنْ قَالُوا : إنَّ امْرَأَةً عَدْلَةً وَرَجُلاً عَدْلاً يَقَعُ عَلَيْهِمَا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنَّا قلنا : وَشَهَادَةُ ثَلاَثَةِ رِجَالٍ وَامْرَأَتَيْنِ فِي الزِّنَى يَقَعُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَرْبَعَةُ شُهَدَاءَ ، وَلاَ فَرْقَ. ثُمَّ قَبِلُوا شَهَادَةَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ حَيْثُ تُقْبَلُ النِّسَاءُ مُنْفَرِدَاتٍ وَلَمْ يَقْبَلُوهَا فِي الرَّضَاعِ حَيْثُ جَاءَتْ السُّنَّةُ بِقَبُولِهَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ السَّلَفِ. فَإِنْ قَالُوا : قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ قلنا : فَقِيسُوا الْحُدُودَ فِي ذَلِكَ وَالْقِصَاصَ عَلَى الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ ، وَلاَ فَرْقَ فَإِنْ ادَّعَوْا إجْمَاعًا عَلَى أَنْ لاَ يُقْبَلْنَ فِي الْحُدُودِ أَكْذَبَهُمْ عَطَاءٌ. فَإِنْ قَالُوا : خَالَفَ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ : قلنا : وَأَنْتُمْ خَالَفْتُمْ فِي أَنْ لاَ يُقْبَلْنَ النِّسَاءُ مُنْفَرِدَاتٍ فِي الرَّضَاعِ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ. وَأَمَّا مَالِكٌ : فَقَاسَ بَعْضَ الأَمْوَالِ عَلَى الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ وَلَمْ يَقِسْ عَلَيْهَا الْعِتْقَ وَقَبِلَ امْرَأَتَيْنِ لاَ رَجُلَ مَعَهُمَا مَعَ يَمِينِ الطَّالِبِ فِي الأَمْوَالِ وَالْقَسَامَةِ وَمَا نَعْلَمُ لَهُ سَلَفًا فِي هَذَا رُوِيَ عَنْهُ هَذَا الْقَوْلُ. وَخَالَفَ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ فِي رَدِّ شَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الأَسْتِهْلاَلِ. وَفِي قَبُولِ امْرَأَتَيْنِ تُقْبَلُ النِّسَاءُ مُنْفَرِدَاتٍ. وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ : فَقَاسَ الأَمْوَالَ عَلَى الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ فَيُقَالُ لَهُ : هَلَّا قِسْت سَائِرَ الأَحْكَامِ عَلَى ذَلِكَ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَنْ قَالَ : أَقِيسُ عَلَى ذَلِكَ كُلَّ حُكْمٍ , لأََنَّهُ حُكْمٌ وَحُكْمٌ , وَبَيْنَ قَوْلِك أَقِيسُ عَلَى ذَلِكَ الأَمْوَالَ كُلَّهَا ; لأََنَّهُ مَالٌ وَمَالٌ , وَهَلْ هَاهُنَا إِلاَّ التَّحَكُّمُ فَهَذَا خِلاَفُهُمْ لِلنُّصُوصِ , وَلِلْقِيَاسِ , وَلِقَوْلِ السَّلَفِ , وَلَيْسَ مِنْهُمْ أَحَدٌ رَاعَى الْإِجْمَاعَ ; لأََنَّنَا قَدْ ذَكَرْنَا عَنْ زُفَرَ أَنَّهُ لاَ يُقْبَلُ النِّسَاءُ مُنْفَرِدَاتٍ فِي شَيْءٍ مِنْ الأَشْيَاءِ. وَقَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ : الشَّهَادَةُ عَلَى الْقَتْلِ أَرْبَعَةٌ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَى. وَلَيْتَ شِعْرِي مِنْ أَيْنَ قَاسُوا الْقَتْلَ , وَالْقِصَاصَ , وَالْحُدُودَ عَلَى مَا يُقْبَلُ فِيهِ رَجُلاَنِ فَقَطْ دُونَ أَنْ يَقِيسُوهَا عَلَى الزِّنَى الَّذِي هُوَ أَشْبَهُ بِهَا ; لأََنَّهُ حَدٌّ وَحَدٌّ , وَدَمٌ وَدَمٌ أَوْ عَلَى مَا يُقْبَلُ فِيهِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ ; لأََنَّهُ حُكْمٌ وَحُكْمٌ , وَشَهَادَةٌ وَشَهَادَةٌ فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ بِيَقِينٍ. فَإِذًا قَدْ سَقَطَتْ الأَقْوَالُ الْمَذْكُورَةُ فَإِنَّ وَجْهَ الْكَلاَمِ وَالصَّدْعِ بِالْحَقِّ : هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَنَا عِنْدَ التَّبَايُعِ بِالْإِشْهَادِ , فَقَالَ تَعَالَى : وَأَمَّا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ , لَيْسَ لَكَ إِلاَّ ذَلِكَ فَإِنَّ الْحَنَفِيِّينَ , وَالْمَالِكِيِّينَ , وَالشَّافِعِيِّينَ أَوَّلُ مَنْ يَضُمُّ إلَى هَذَا النَّصِّ مَا لَيْسَ فِيهِ , فَيُجِيزُونَ فِي الأَمْوَالِ كُلِّهَا رَجُلاً وَامْرَأَتَيْنِ , وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ إِلاَّ فِي الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ فَقَطْ , فَقَدْ زَادُوا عَلَى مَا فِي هَذَا الْخَبَرِ بِقِيَاسِهِمْ الْفَاسِدِ. وَأَمَّا نَحْنُ : فَطَرِيقُنَا فِي ذَلِكَ غَيْرُ طَرِيقِهِمْ , لَكِنْ نَقُولُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَسْتَعِينُ : قَدْ صَحَّ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام : مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ , وَالأَعْمَشِ , كِلاَهُمَا عَنْ أَبِي وَائِلٍ أَنَّ الأَشْعَثَ دَخَلَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ يُحَدِّثُهُمْ بِنُزُولِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَخْبَرَنِي زَيْدٌ ، هُوَ ابْنُ أَسْلَمَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ , " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي حَدِيثٍ : (أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ قلنا : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ) فَقَطَعَ عليه الصلاة والسلام بِأَنَّ شَهَادَةَ امْرَأَتَيْنِ تَعْدِلُ شَهَادَةَ رَجُلٍ , فَوَجَبَ ضَرُورَةً : أَنَّهُ لاَ يُقْبَلُ حَيْثُ يُقْبَلُ رَجُلٌ لَوْ شَهِدَ إِلاَّ امْرَأَتَانِ , وَهَكَذَا مَا زَادَ. فإن قيل : فَهَلاَّ قَبِلْتُمْ بِهَذَا الأَسْتِدْلاَلِ رَجُلاً وَاحِدًا , فَقَدْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْ شُرَيْحٍ , وَمُطَرِّفِ بْنِ مَازِنٍ , وَزُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى , أَوْ شَهَادَةَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ , فَقَدْ قَبِلَهَا مُعَاوِيَةُ قلنا : مَنَعَنَا مِنْ ذَلِكَ حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ , فَلَوْ جَازَ قَبُولُ وَاحِدٍ حَيْثُ لَمْ يَقْبَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكَانَتْ الْيَمِينُ فُضُولاً , وَحَاشَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ. فَصَحَّ : أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ قَبُولُ رَجُلٍ وَاحِدٍ , وَلاَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ إِلاَّ فِي الْهِلاَلِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي " كِتَابِ الصِّيَامِ " فَقَطْ وَفِي الرَّضَاعِ. لِ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبِيعٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ الْبَلْخِيّ , وَيَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ , قَالاَ جَمِيعًا : ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ : وَقَدْ سَمِعْتُهُ مِنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ , وَلَكِنِّي لِحَدِيثِ عُبَيْدٍ أَحْفَظُ , قَالَ : تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ : إنِّي قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً , فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ إنِّي قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا وَهِيَ كَاذِبَةٌ فَأَعْرَضَ عَنِّي , فَأَتَيْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ فَقُلْتُ : إنَّهَا كَاذِبَةٌ , فَقَالَ : كَيْفَ بِهَا وَقَدْ زَعَمَتْ أَنَّهَا أَرْضَعَتْكُمَا دَعْهَا عَنْكَ. قال أبو محمد : فَنَهْيُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْرِيمٌ , وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحُذَافِيِّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ : ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ " قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : جَاءَتْ امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ إلَى أَهْلِ ثَلاَثَةِ أَبْيَاتٍ تَنَاكَحُوا فَقَالَتْ : هُمْ بَنِيَّ وَبَنَاتِي , فَفَرَّقَ عُثْمَانُ رضي الله عنه بَيْنَهُمْ. وَرُوِّينَا عَنْ الزُّهْرِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ : فَالنَّاسُ يَأْخُذُونَ الْيَوْمَ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِ عُثْمَانَ فِي الْمُرْضِعَاتِ إذَا لَمْ يُتَّهَمْنَ. وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ أَبِي الشَّعْثَاءِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : تَجُوزُ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الرَّضَاعِ. قال أبو محمد : وَأَمَّا الْخَبَرُ الَّذِي صَدَّرْنَا بِهِ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ مَضَتْ السُّنَّةُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ أَبِي بَكْرٍ , وَعُمَرَ : أَنْ لاَ تَجُوزَ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الطَّلاَقِ , وَلاَ فِي النِّكَاحِ , وَلاَ فِي الْحُدُودِ : فَبَلِيَّةٌ ; لأََنَّهُ مُنْقَطِعٌ مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَهُوَ هَالِكٌ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ " لَوْ فَتَحْنَا هَذَا الْبَابَ لَمْ تَشَأْ امْرَأَةٌ أَنْ تُفَرِّقَ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَتِهِ إِلاَّ فَعَلَتْ ذَلِكَ " فَهُوَ عَنْ الْحَارِثِ الْغَنَوِيِّ وَهُوَ مَجْهُولٌ أَنَّ عُمَرَ. وَأَيْضًا فَإِنَّ هَذَا كَلاَمٌ بَعِيدٌ عَنْ عُمَرَ قَوْلُ مِثْلِهِ ; لأََنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ أَنْ لاَ يَشَاءَ رَجُلاَنِ قَتْلَ رَجُلٍ وَإِعْطَاءَ مَالِهِ لأَخَرَ , وَتَفْرِيقَ امْرَأَتِهِ عَنْهُ إِلاَّ قَدَرَا عَلَى ذَلِكَ , بِأَنْ يَشْهَدَا عَلَيْهِ بِذَلِكَ. وَبِضَرُورَةِ الْعَقْلِ يَدْرِي كُلُّ أَحَدٍ : أَنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَ امْرَأَةٍ وَبَيْنَ رَجُلٍ , وَبَيْنَ رَجُلَيْنِ , وَبَيْنَ امْرَأَتَيْنِ , وَبَيْنَ أَرْبَعَةِ رِجَالٍ , وَبَيْنَ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ , فِي جَوَازِ تَعَمُّدِ الْكَذِبِ وَالتَّوَاطُؤِ عَلَيْهِمْ , وَكَذَلِكَ الْغَفْلَةُ وَلَوْ حِينًا إلَى هَذَا , لَكِنَّ النَّفْسَ أَطْيَبُ عَلَى شَهَادَةِ ثَمَانِي نِسْوَةٍ مِنْهَا عَلَى شَهَادَةِ أَرْبَعَةِ رِجَالٍ. وَهَذَا كُلُّهُ لاَ مَعْنَى لَهُ , إنَّمَا هُوَ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ ، وَلاَ مَزِيدَ. وَأَمَّا مَنْ احْتَجَّ بِتَخْصِيصِ مَا لاَ يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ الرِّجَالُ فَبَاطِلٌ , وَمَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ مِنْ النَّظَرِ إلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ إِلاَّ كَاَلَّذِي يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ ذَلِكَ , وَلاَ يَجُوزُ ذَلِكَ إِلاَّ عِنْدَ الشَّهَادَةِ أَوْ الضَّرُورَةِ , كَنَظَرِهِمْ إلَى عَوْرَةِ الزَّانِيَيْنِ , وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ : فَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ أَخْبَرَنِي ضَمْرَةُ : أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ : سَمِعْت أَبِي يَقُولُ لِلْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ : قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ وَقَضَى بِهَا عَلِيٌّ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ : أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ قَضَى عَلَيْهِ بِدَيْنٍ لأَِنْسَانٍ أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا وَأَحْلَفَهُ مَعَ شَاهِدِهِ. وَصَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ , وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ , وَعَنْ شُرَيْحٍ. وَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ : مِنْهُمْ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ , وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ , وَأَبُو الزِّنَادِ , وَرَبِيعَةُ , وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ , وَإِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ , وَيَحْيَى بْنُ مَعْمَرٍ , وَالْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ , وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ , إِلاَّ أَنَّهُمَا لاَ يَقْضِيَانِ بِذَلِكَ إِلاَّ فِي الأَمْوَالِ. وَجَاءَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ : أَنَّهُ قَضَى بِذَلِكَ فِي جِرَاحِ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ ; وَيَقْضِي بِهِ مَالِكٌ أَيْضًا فِي الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ ، وَلاَ يَقْضِي بِهِ فِي الْعِتْقِ , وَالشَّافِعِيُّ يَقْضِي بِهِ فِي الْعِتْقِ. وَرُوِّينَا إنْكَارَ الْحَكَمِ بِهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ , وَقَالَ : هُوَ بِدْعَةُ مَا أَحْدَثَهُ النَّاسُ أَوَّلُ مَنْ قَضَى بِهِ مُعَاوِيَةُ وَقَالَ عَطَاءٌ : أَوَّلُ مَنْ قَضَى بِهِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ , وَأَشَارَ إلَى إنْكَارِهِ الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ : الرُّجُوعُ إلَى تَرْكِ الْقَضَاءِ بِهِ ; لأََنَّهُ وَجَدَ أَهْلَ الشَّامِ عَلَى خِلاَفِهِ , وَمَنَعَ مِنْهُ : ابْنُ شُبْرُمَةَ , وَأَبُو حَنِيفَةَ , وَأَصْحَابُهُ. قال أبو محمد : قَدْ ذَكَرْنَا بُطْلاَنَ التَّعَلُّقِ فِي رَدِّ هَذَا الْحُكْمِ وَغَيْرِهِ بِالتَّعَلُّقِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : وَكَذَلِكَ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ وَسَائِرُ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ فِي مَنْعِ الْحُكْمِ بِيَمِينٍ وَشَاهِدٍ أَهْذَارٌ , وَالْعَجَبُ اعْتِرَاضُهُمْ فِي هَذَا بِقَوْلِ الزُّهْرِيِّ أَوَّلُ مَنْ قَضَى بِذَلِكَ مُعَاوِيَةُ , وَهُمْ قَدْ أَخَذُوا بِقِيمَةٍ أَحْدَثَهَا مُعَاوِيَةُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ ، وَلاَ يَصِحُّ فِيهَا أَثَرٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قال أبو محمد : وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ , وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ , قَالاَ جَمِيعًا : ، حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَخْبَرَنِي قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِيَمِينٍ وَشَاهِدٍ : ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ ، حَدَّثَنَا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُنْقِرِيُّ ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ , ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى , وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ قَالُوا كُلُّهُمْ : ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُصْعَبِ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ رَبِيعَةَ ابْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ. قَالَ أَبُو دَاوُد : وَزَادَنِي الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ فِي هَذَا الْخَبَرِ قَالَ : أَنَا الشَّافِعِيُّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيِّ قَالَ : فَذَكَرْت ذَلِكَ لِسُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ فَقَالَ : أَخْبَرَنِي رَبِيعَةُ وَهُوَ ثِقَةٌ عِنْدِي أَنِّي حَدَّثْتُهُ إيَّاهُ ، وَلاَ أَحْفَظُهُ , قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ : وَقَدْ كَانَتْ أَصَابَتْ سُهَيْلاً عِلَّةٌ أَذْهَبَتْ بَعْضَ عَقْلِهِ وَنَسِيَ بَعْضَ حَدِيثِهِ , فَكَانَ سُهَيْلٌ بَعْدُ يُحَدِّثُهُ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قال أبو محمد : فَهَذِهِ آثَارٌ مُتَظَاهِرَةٌ لاَ يَحِلُّ التَّرْكُ لَهَا , فَالْوَاجِبُ أَنْ يُحْكَمَ بِذَلِكَ فِي الدِّمَاءِ وَالْقِصَاصِ , وَالنِّكَاحِ , وَالطَّلاَقِ , وَالرَّجْعَةِ , وَالأَمْوَالِ , حَاشَا الْحُدُودَ ; لأََنَّ ذَلِكَ عُمُومُ الأَخْبَارِ الْمَذْكُورَةِ , وَلَمْ يَأْتِ فِي شَيْءٍ مِنْ الأَخْبَارِ مَنْعٌ مِنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا الْحُدُودُ : فَلاَ طَالِبَ لَهَا إِلاَّ اللَّهُ تَعَالَى , وَلاَ حَقَّ لِلْمَقْذُوفِ فِي إثْبَاتِهَا , وَلاَ فِي إسْقَاطِهَا , وَلاَ فِي طَلَبِهَا , وَكَذَلِكَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ , وَالْمَزْنِيُّ بِامْرَأَتِهِ أَوْ حَرِيمَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ , أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ : فَلَيْسَ لِذَلِكَ كُلِّهِ طَالِبٌ بِلاَ يَمِينٍ فِي شَيْءٍ مِنْهَا. وقال الشافعي : إنَّ فِي بَعْضِ الآثَارِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكَمَ بِذَلِكَ فِي الأَمْوَالِ وَهَذَا لاَ يُوجَدُ أَبَدًا فِي شَيْءٍ مِنْ الآثَارِ الثَّابِتَةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَالْعَجَبُ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ يَقُولُونَ دَهْرَهُمْ كُلَّهُ : الْمُرْسَلُ , وَالْمُسْنَدُ : سَوَاءٌ , فِي كُلِّ بَلِيَّةٍ يَقُولُونَ بِهَا , ثُمَّ يَرُدُّونَ خَبَرَ جَابِرٍ هَذَا : بِأَنَّ غَيْرَ الثَّقَفِيِّ أَرْسَلَهُ , وَأَنَّهُ رُوِيَ مُرْسَلاً مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , وَغَيْرِهِ , فَاعْجَبُوا لِعَدَمِ الْحَيَاءِ وَرِقَّةِ الدِّينِ. وَعَجَبٌ آخَرُ : وَهُوَ أَنَّهُمْ يَقْضُونَ بِالنُّكُولِ فِي الدِّمَاءِ , وَالأَمْوَالِ , فَيُعْطُونَ الْمُدَّعِيَ بِلاَ شَاهِدٍ ، وَلاَ يَمِينٍ , لَكِنْ بِدَعْوَاهُ الْمُجَرَّدَةِ وَإِنْ كَانَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا بِرَأْيِهِمْ الْفَاسِدِ , وَيَرُدُّونَ الْحُكْمَ بِالْيَمِينِ وَالشَّاهِدِ , وَيَقْضُونَ بِالْعَظَائِمِ بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ دُونَ يَمِينِ الطَّالِبِ بِآرَائِهِمْ الْفَاسِدَةِ , وَاخْتِيَارِهِمْ الْمُهْلِكِ , وَيُنْكِرُونَ الْحُكْمَ بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ مَعَ يَمِينِ الطَّالِبِ , وَبِشَهَادَةِ رَجُلٍ مَعَ يَمِينِ الطَّالِبِ , وَيُنْكِرُونَ الْحُكْمَ بِشَهَادَةِ مُسْلِمٍ ثِقَةٍ مَعَ يَمِينِ الطَّالِبِ , وَهُمْ يَقْضُونَ بِشَهَادَةِ يَهُودِيَّيْنِ , أَوْ نَصْرَانِيَّيْنِ حَيْثُ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ نَصُّ قُرْآنٍ , وَلاَ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ , وَيُضَعِّفُونَ سَيْفَ بْنَ سُلَيْمَانَ وَهُوَ ثِقَةٌ. وَهُمْ آخَذُ النَّاسِ بِرِوَايَةِ كُلِّ كَذَّابٍ , كَجَابِرٍ الْجُعْفِيِّ , وَغَيْرِهِ , وَيَحْتَجُّونَ بِمَغِيبِ ذَلِكَ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَعَطَاءٍ وَقَدْ غَابَ عَنْهُمَا حُكْمُ زَكَاةِ الذَّهَبِ وَزَكَاةِ الْبَقَرِ , أَوْ عَلِمَاهُ وَرَأَيَاهُ مَنْسُوخًا , فَلَمْ يَلْتَفِتُوا هُنَالِكَ إلَى قَوْلِهِمَا , وَقَلَّدُوهُمَا هَاهُنَا , وَهَذَا كَمَا تَرَوْنَ وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَاقِبَةَ وَرَأَى مَالِكٌ , وَالشَّافِعِيُّ : أَنْ لاَ يُقْضَى بِالْيَمِينِ وَالشَّاهِدِ , إِلاَّ فِي الأَمْوَالِ. قَالَ مَالِكٌ : وَفِي الْقَسَامَةِ وَهَذَا لاَ مَعْنَى لَهُ ; لأََنَّهُ تَخْصِيصٌ لِلْخَبَرِ بِلاَ دَلِيلٍ. وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقْبَلَ كَافِرٌ أَصْلاً , لاَ عَلَى كَافِرٍ , وَلاَ عَلَى مُسْلِمٍ حَاشَ الْوَصِيَّةَ فِي السَّفَرِ فَقَطْ , فَإِنَّهُ يُقْبَلُ فِي ذَلِكَ مُسْلِمَانِ , أَوْ كَافِرَانِ مِنْ أَيِّ دِينٍ كَانَا أَوْ كَافِرٌ وَكَافِرَتَانِ , أَوْ أَرْبَعُ كَوَافِرَ. وَيُحَلَّفُ الْكُفَّارُ هَاهُنَا مَعَ شَهَادَتِهِمْ ، وَلاَ بُدَّ بَعْدَ الصَّلاَةِ أَيِّ صَلاَةٍ كَانَتْ وَلَوْ أَنَّهَا الْعَصْرُ لَكَانَ أَحَبَّ إلَيْنَا بِاَللَّهِ إنْ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ، وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إنَّا إذًا لَمِنْ الآثِمِينَ ثُمَّ يُحْكَمُ بِمَا شَهِدُوا بِهِ , فَإِنْ جَاءَتْ بَيِّنَةٌ مُسْلِمُونَ : بِأَنَّ الْكُفَّارَ كَذَبُوا : حَلَفَ الْمُسْلِمَانِ الشَّاهِدَانِ , أَوْ الْمُسْلِمُ وَالْمَرْأَتَانِ , أَوْ الأَرْبَعُ نِسْوَةٍ بِاَللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إنَّا إذًا لَمِنْ الظَّالِمِينَ ثُمَّ يُفْسَخُ مَا شَهِدَ بِهِ الْكُفَّارُ. برهان ذَلِكَ : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : وَقَالَ تَعَالَى : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ زَاذَانَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: فَقُلْنَا : مَا دَفَعَ إلَيْنَا غَيْرَ هَذَا , فَلَمَّا أَسْلَمْتُ بَعْدَ قُدُومِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ تَأَثَّمْتُ مِنْ ذَلِكَ , فَأَتَيْتُ أَهْلَهُ فَأَخْبَرْتهمْ الْخَبَرَ , وَأَدَّيْتُ إلَيْهِمْ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ , وَأَخْبَرْتُهُمْ : أَنَّ عِنْدَ صَاحِبِي مِثْلَهَا , فَأَتَوْا بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُمْ الْبَيِّنَةَ فَلَمْ يَجِدُوا , فَأَحْلَفَهُ بِمَا يُعْظَمُ بِهِ عَلَى أَهْلِ دِينِهِ فَحَلَفَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : كَانَ تَمِيمٌ الدَّارِيِّ , وَعَدِيُّ بْنُ بُدَاءٍ : يَخْتَلِفَانِ إلَى مَكَّةَ لِلتِّجَارَةِ فَخَرَجَ مَعَهُمْ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَهْمٍ , فَتُوُفِّيَ بِأَرْضٍ لَيْسَ فِيهَا مُسْلِمٌ , فَأَوْصَى إلَيْهِمَا , فَدَفَعَا تَرِكَتَهُ إلَى أَهْلِهِ وَحَبَسَا جَامًا مِنْ فِضَّةٍ , مُخَوَّصًا بِالذَّهَبِ , فَفَقَدَهُ أَوْلِيَاؤُهُ , فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَحْلَفَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَتَمْنَا , وَلاَ اطَّلَعْنَا , ثُمَّ عُرِفَ الْجَامُ بِمَكَّةَ , فَقَالُوا : اشْتَرَيْنَاهُ مِنْ تَمِيمٍ , وَعَدِيٍّ , فَقَامَ رَجُلاَنِ مِنْ أَوْلِيَاءِ السَّهْمِيِّ فَحَلَفَا بِاَللَّهِ إنَّ هَذَا لَجَامُ السَّهْمِيِّ , لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إنَّا إذًا لَمِنْ الظَّالِمِينَ فَأَخَذَا الْجَامَ , وَفِيهِمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ. وَبِقَوْلِنَا يَقُولُ جَهْوَرُ السَّلَفِ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها : أَنَّ آخِرَ سُورَةٍ نَزَلَتْ سُورَةُ الْمَائِدَةِ , فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهَا حَلاَلاً فَحَلِّلُوهُ , وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهَا حَرَامًا فَحَرِّمُوهُ , وَهَذِهِ الآيَةُ فِي الْمَائِدَةِ فَبَطَلَ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ وَصَحَّ أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الآيَةِ : هَذَا لِمَنْ مَاتَ وَعِنْدَهُ الْمُسْلِمُونَ فَأَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى وَصِيَّتِهِ عَدْلَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ , ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا : فِي قوله تعالى : وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ , وَزِيَادِ بْنِ أَيُّوبَ , قَالاَ جَمِيعًا : ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ : أَنَّ رَجُلاً مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ " بِدَقُوقَا " فَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَشْهَدُ عَلَى وَصِيَّتِهِ , فَأَشْهَدَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ , فَأَتَيَا أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ فَأَخْبَرَاهُ وَقَدِمَا بِتَرِكَتِهِ وَوَصِيَّتِهِ فَقَالَ أَبُو مُوسَى : هَذَا أَمْرٌ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ الَّذِي كَانَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَحْلَفَهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ " بِاَللَّهِ مَا خَانَا ، وَلاَ كَذَبَا ، وَلاَ بَدَّلاَ ، وَلاَ كَتَمَا , وَلاَ غَيَّبَا , وَأَنَّهَا لَوَصِيَّةُ الرَّجُلِ وَتَرِكَتُهُ " فَأَمْضَى أَبُو مُوسَى شَهَادَتَهُمَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ هُوَ عَمْرُو بْنُ شُرَحْبِيلَ قَالَ : لَمْ يُنْسَخْ مِنْ سُورَةِ الْمَائِدَةِ شَيْءٌ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ قَالَ : مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي قوله تعالى : وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيِّ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ : لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إِلاَّ فِي وَصِيَّةٍ , وَلاَ تَجُوزُ فِي وَصِيَّةٍ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مُسَافِرًا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ : لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ , إِلاَّ فِي السَّفَرِ , وَلاَ تَجُوزُ فِي السَّفَرِ إِلاَّ فِي الْوَصِيَّةِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّحَّانُ عَنْ دَاوُد الطَّائِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ : إذَا مَاتَ الرَّجُلُ فِي أَرْضِ غُرْبَةٍ , وَلَمْ يَجِدْ مُسْلِمًا فَأَشْهَدَ مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ شَاهِدَيْنِ , فَشَهَادَتُهُمَا جَائِزَةٌ , فَإِنْ جَاءَ مُسْلِمَانِ فَشَهِدَا بِخِلاَفِ ذَلِكَ أُخِذَ بِشَهَادَةِ الْمُسْلِمَيْنِ وَتُرِكَتْ شَهَادَتُهُمَا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ هُوَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ : أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ قَالَ : إذَا كَانَ بِأَرْضِ الشِّرْكِ فَأَوْصَى إلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُمَا يُحَلَّفَانِ بَعْدَ الْعَصْرِ , فَإِنْ اُطُّلِعَ بَعْدَ حَلِفِهِمَا عَلَى أَنَّهُمَا خَانَا حَلَفَ أَوْلِيَاءُ الْمَيِّتِ أَنَّهُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَاسْتَحَقُّوا. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي قَالَ : ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقَدَّمِيُّ عَنْ الأَشْعَثِ عَنْ الشَّعْبِيِّ : أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ قَالَ : مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ أَيْضًا ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ : اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ مِنْ أَهْلِ الْمِلَّةِ : أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ قَالَ : مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمِلَّةِ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خِدَاشٍ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُوَيْد عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : وَمِنْ طَرِيقِ الطَّحَاوِيَّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ , وَعُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ قَالَ الْحَجَّاجُ : ، حَدَّثَنَا أَبُو هِلاَلٍ الرَّاسِبِيُّ , وَقَالَ عُثْمَانُ : ، حَدَّثَنَا عَوْفُ بْنُ أَبِي جَمِيلَةَ , كِلاَهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ فِي قوله تعالى : وَرُوِيَ أَيْضًا نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ ، رضي الله عنهم ، وَلاَ مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ،. وَمِنْ التَّابِعِينَ عَمْرُو بْنُ شُرَحْبِيلَ , وَشُرَيْحٌ , وَعَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ , ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ , وَالشَّعْبِيُّ , وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ , وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ , وَمُجَاهِدٌ , وَأَبُو مِجْلَزٍ , وَابْنُ سِيرِينَ , وَيَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ , وَغَيْرُهُمْ , كَابْنِ أَبِي لَيْلَى , وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , وَيَحْيَى بْنِ حَمْزَةَ , وَالأَوْزَاعِيُّ , وَأَبِي عُبَيْدٍ , وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , وَجُمْهُورِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو سُلَيْمَانَ وَجَمِيعُ أَصْحَابِنَا , وَخَالَفَهُمْ آخَرُونَ فَرُوِّينَا عَنْ الْحَسَنِ ، أَنَّهُ قَالَ , أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ مِنْ غَيْرِ قَبِيلَتِكُمْ. وَرُوِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ نَحْوُ هَذَا ، أَنَّهُ قَالَ : مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ , وَأَنَّهُ تَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ وَرُوِيَ أَيْضًا : عَنْ عِكْرِمَةَ. وَرُوِّينَا عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ أَيْضًا مِثْلُ ذَلِكَ. قال أبو محمد : أَمَّا دَعْوَى النَّسْخِ فَبَاطِلٌ , لاَ يَحِلُّ أَنْ يُقَالَ فِي آيَةٍ إنَّهَا مَنْسُوخَةٌ لاَ تَحِلُّ طَاعَتُهَا وَالْعَمَلُ بِهَا إِلاَّ بِنَصٍّ صَحِيحٍ , أَوْ ضَرُورَةٍ مَانِعَةٍ , وَلَيْسَ هَاهُنَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ , وَلَوْ جَازَ مِثْلُ هَذَا لَمَا عَجَزَ أَحَدٌ عَنْ أَنْ يَدَّعِيَ فِيمَا شَاءَ مِنْ الْقُرْآنِ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ , وَهَذَا لاَ يَحِلُّ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ : مِنْ غَيْرِ قَبِيلَتِكُمْ فَقَوْلٌ ظَاهِرُ الْفَسَادِ , وَالْبُطْلاَنِ , لأََنَّهُ لَيْسَ فِي أَوَّلِ الآيَةِ خِطَابٌ لِقَبِيلَةٍ دُونَ قَبِيلَةٍ إنَّمَا أَوَّلُهَا : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ، وَلاَ يَشُكُّ مُنْصِفٌ فِي أَنَّ غَيْرَ الَّذِينَ آمَنُوا هُمْ الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا , وَلَكِنَّهَا مِنْ الْحَسَنِ زَلَّةُ عَالِمٍ لَمْ يَتَدَبَّرْهَا. وَقَالَ الْمُخَالِفُونَ : نَحْنُ نُهِينَا عَنْ قَبُولِ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ , وَالْكَافِرُ أَفْسَقُ الْفُسَّاقِ . فَقُلْنَا : الَّذِي نَهَانَا عَنْ قَبُولِ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ هُوَ الَّذِي أَمَرَنَا بِقَبُولِ شَهَادَةِ الْكَافِرِ فِي الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ فَنَقِفُ عِنْدَ أَمْرَيْهِ جَمِيعًا , وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى بِالطَّاعَةِ مِنْ الآخَرِ. وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا الَّتِي لاَ نَظِيرَ لَهَا : أَنَّ الْمُحْتَجِّينَ بِهَذَا هُمْ الْحَنَفِيُّونَ , وَالْمَالِكِيُّونَ , وَالشَّافِعِيُّونَ. فأما الْحَنَفِيُّونَ : فَأَجَازُوا شَهَادَةَ الْكُفَّارِ فِي كُلِّ شَيْءٍ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ بِغَيْرِ أَمْرٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ , بَلْ خَالَفُوا الْقُرْآنَ فِي نَهْيِهِ عَنْ قَبُولِ نَبَأِ الْفَاسِقِ ثُمَّ خَالَفُوهُ فِي قَبُولِ الْكُفَّارِ فِي السَّفَرِ فَاعْجَبُوا لِهَذِهِ الْفَضَائِحِ , وَالْمُضَادَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى. وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ : فَأَجَازُوا شَهَادَةَ طَبِيبَيْنِ كَافِرَيْنِ حَيْثُ لاَ يُوجَدُ طَبِيبٌ مُسْلِمٌ بِغَيْرِ أَمْرٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ , بَلْ خَالَفُوا الْقُرْآنَ فِي كِلاَ الْوَجْهَيْنِ , كَمَا ذَكَرْنَا. وقال بعضهم : الْوَصِيَّةُ يَكُونُ فِيهَا إقْرَارٌ بِدَيْنٍ فَلَمَّا نُسِخَ ذَلِكَ مِنْ الآيَةِ دَلَّ عَلَى نَسْخِ سَائِرِ ذَلِكَ . فَقُلْنَا : كَذَبْتُمْ مَا سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ الْإِقْرَارَ بِالدَّيْنِ وَصِيَّةً ; لأََنَّ الْوَصِيَّةَ مِنْ الثُّلُثِ , وَالْإِقْرَارَ بِالدَّيْنِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ , وَمَا دَخَلَ قَطُّ الْإِقْرَارُ بِالدَّيْنِ فِي الْوَصِيَّةِ , وَلاَ نُسِخَ مِنْ الآيَةِ شَيْءٌ ثُمَّ لَهُمْ بَعْدَ هَذَا أَهْذَارٌ يُشْبِهُ تَخْلِيطَ الْمُبَرْسَمِينَ لاَ مَعْنَى لَهَا , وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ وَالصَّحَابَةِ , وَلاَ مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ , وَهُمْ يُعَظِّمُونَ ذَلِكَ إذَا وَافَقَ أَهْوَاءَهُمْ. وَذَكَرُوا خَبَرًا : رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ رَاشِدٍ الْيَمَامِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ مِلَّةٍ عَلَى مِلَّةٍ إِلاَّ مِلَّةُ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهَا تَجُوزُ عَلَى غَيْرِهِمْ). قال أبو محمد : عُمَرُ بْنُ رَاشِدٍ سَاقِطٌ , وَهَذَا خَبَرُ أَوَّلُ مَنْ خَالَفَهُ أَبُو حَنِيفَةَ لأََنَّهُ يُجِيزُ شَهَادَةَ الْيَهُودِيِّ عَلَى النَّصْرَانِيِّ وَمَالِكٌ , فَإِنَّهُ يُجِيزُ شَهَادَةَ الْكُفَّارِ الأَطِبَّاءِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، وَلاَ نَدْرِي مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ هَذَا التَّخْصِيصُ لِلأَطِبَّاءِ دُونَ سَائِرِ مَنْ يُضْطَرُّ إلَيْهِ مِنْ الشَّهَادَاتِ مِنْ النِّكَاحِ , وَالطَّلاَقِ , وَالدِّمَاءِ [ وَالْحُدُودِ ] وَالأَمْوَالِ , وَالْعِتْقِ وَمَا نَعْلَمُ هَذَا التَّفْرِيقَ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ. وَأَمَّا شَهَادَةُ الْكُفَّارِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ , فَطَائِفَةٌ : مَنَعَتْ مِنْ ذَلِكَ جُمْلَةً وَهُوَ قَوْلُنَا. وَطَائِفَةٌ أَجَازَتْهَا عَلَى الْكُفَّارِ , وَلَمْ يُرَاعُوا اخْتِلاَفَ مِلَلِهِمْ. وَطَائِفَةٌ أَجَازَتْ شَهَادَةَ كُلِّ مِلَّةٍ عَلَى مِثْلِهَا وَلَمْ تُجِزْهَا عَلَى غَيْرِ مِثْلِهَا. فأما قَوْلُنَا فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ. وَأَمَّا الْقَوْلُ الثَّانِي : فَصَحَّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ : أَنَّهُ أَجَازَ شَهَادَةَ نَصْرَانِيٍّ عَلَى مَجُوسِيٍّ , أَوْ مَجُوسِيٍّ عَلَى نَصْرَانِيٍّ. وَصَحَّ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، أَنَّهُ قَالَ : تَجُوزُ شَهَادَةُ النَّصْرَانِيِّ عَلَى الْيَهُودِيِّ , وَالْيَهُودِيِّ عَلَى النَّصْرَانِيِّ هُمْ كُلُّهُمْ أَهْلُ الشِّرْكِ. وَصَحَّ أَيْضًا هَذَا عَنْ الشَّعْبِيِّ , وَشُرَيْحٍ , وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ عَنْ عَوْنِ بْنِ مَعْمَرٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ الصَّائِغِ قَالَ : سَأَلْت نَافِعًا هُوَ مَوْلَى بْنِ عُمَرَ عَنْ شَهَادَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فَقَالَ : تَجُوزُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ : سَأَلْت الزُّهْرِيَّ عَنْ شَهَادَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فَقَالَ : تَجُوزُ , وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , وَوَكِيعٍ , وَأَبِي حَنِيفَةَ , وَأَصْحَابِهِ , وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ. وَالثَّالِثُ : كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ قَتَادَةَ : أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ : تَجُوزُ شَهَادَةُ النَّصْرَانِيِّ عَلَى النَّصْرَانِيِّ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ قَالَ : تَجُوزُ شَهَادَةُ النَّصْرَانِيِّ عَلَى النَّصْرَانِيِّ , وَالْيَهُودِيِّ عَلَى الْيَهُودِيِّ , وَلاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا عَلَى الآخَرِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ : أَنَّهُ سَمِعَ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيَّ يَقُولُ : لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ النَّصْرَانِيِّ عَلَى الْيَهُودِيِّ , وَلاَ شَهَادَةُ الْيَهُودِيِّ عَلَى النَّصْرَانِيِّ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ , وَرَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ كِلاَهُمَا قَالَ : تَجُوزُ شَهَادَةُ الْيَهُودِيِّ عَلَى الْيَهُودِيِّ , وَلاَ تَجُوزُ عَلَى النَّصْرَانِيِّ , وَلاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ النَّصْرَانِيِّ عَلَى الْيَهُودِيِّ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ : لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْيَهُودِيِّ عَلَى النَّصْرَانِيِّ , وَلاَ النَّصْرَانِيِّ عَلَى الْيَهُودِيِّ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ : إذَا اخْتَلَفَتْ الْمِلَلُ لَمْ تَجُزْ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ إدْرِيسَ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ : لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْيَهُودِيِّ عَلَى النَّصْرَانِيِّ , وَلاَ النَّصْرَانِيِّ عَلَى الْمَجُوسِيِّ , وَلاَ مِلَّةٍ عَلَى غَيْرِ مِلَّتِهَا إِلاَّ الْمُسْلِمِينَ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ دَاوُد عَنْ الشَّعْبِيِّ لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ مِلَّةٍ عَلَى مِلَّةٍ إِلاَّ الْمُسْلِمِينَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ : لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا حَفْصٌ عَنْ أَشْعَثَ ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ : لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ أَهْلِ مِلَّةٍ إِلاَّ عَلَى أَهْلِ مِلَّتِهَا : الْيَهُودِيِّ عَلَى الْيَهُودِيِّ , وَالنَّصْرَانِيِّ عَلَى النَّصْرَانِيِّ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ : لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ مِلَّةٍ عَلَى مِلَّةٍ إِلاَّ الْمُسْلِمِينَ قَالَ وَكِيعٌ : وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى. قال أبو محمد : وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ , وَاللَّيْثِ , وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ. قَالَ عَلِيٌّ : فَرُوِيَ كِلاَ الْقَوْلَيْنِ كَمَا أَوْرَدْنَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ , وَالزُّهْرِيِّ , وَالشَّعْبِيِّ , وَالنَّخَعِيِّ وَرُوِيَ الْقَوْلُ الأَوَّلُ : عَنْ نَافِعٍ. وَرُوِيَ الثَّانِي : عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ , وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَرَبِيعَةَ الرَّأْيِ , وَقَتَادَةَ , وَالْحَسَنِ , وَعَطَاءٍ. قال أبو محمد : وَلاَ يَصِحُّ عَنْ عَلِيٍّ أَصْلاً ; لأََنَّهُ ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ , ثُمَّ هُوَ أَيْضًا مُنْقَطِعٌ قَالَ عَلِيٌّ : أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ : فَلَمْ يُرْوَ لاَ صَحِيحًا ، وَلاَ سَقِيمًا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ , فَهُوَ خِلاَفٌ لِكُلِّ مَا جَاءَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ الصَّحَابَةِ. وَأَمَّا مَالِكٌ : فَخَالَفَ شُيُوخَهُ الْمَدَنِيِّينَ : أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ , وَنَافِعًا , وَالزُّهْرِيَّ ; وَرَبِيعَةَ , وَيَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيَّ وَهُمْ يُعَظِّمُونَ هَذَا إذَا وَافَقَ رَأْيَ صَاحِبِهِمْ. وَاحْتَجَّ مَنْ أَجَازَ قَبُولَ شَهَادَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الطَّحَاوِيَّ : ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ الْجُعْفِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيّ ، حَدَّثَنَا مُجَالِدٌ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرٍ قَالَ فِي حَدِيثِ الْيَهُودِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ زَنَيَا لِلْيَهُودِ : ائْتُونِي بِالشُّهُودِ فَشَهِدَ أَرْبَعَةٌ مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ , فَرَجَمَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قال أبو محمد : مُجَالِدٌ هَالِكٌ ; رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ ، أَنَّهُ قَالَ : لَوْ شِئْت أَنْ يَجْعَلَهَا لِي مُجَالِدٌ كُلَّهَا عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ لَفَعَلَ. وَعَنْ شُعْبَةَ : أَسْتَخِيرُ اللَّهَ وَأُدَمِّرُ عَلَى مُجَالِدٍ. وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ : إنَّ مُجَالِدًا يَزِيدُ فِي الْإِسْنَادِ. وَعَنِ ابْنِ مَعِينٍ : مُجَالِدٌ لاَ يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِنْ احْتِجَاجِهِمْ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : قال أبو محمد : وَهَذَا تَجْلِيحٌ مِنْهُمْ بِالْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى جِهَارًا مِرَارًا. إحْدَاهَا دَعْوَى النَّسْخِ بِلاَ برهان. وَالثَّانِيَةُ قَوْلُهُمْ : إنَّ ظَاهِرَهَا جَوَازُ شَهَادَتِهِمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ , وَلَيْسَ فِي الآيَةِ إِلاَّ عِنْدَ حُضُورِ الْمَوْتِ حِينَ الْوَصِيَّةِ فَقَطْ , ثُمَّ تَحْلِيفُهُمَا , ثُمَّ تَحْلِيفُ الْمُسْلِمَيْنِ الشَّاهِدَيْنِ بِخِلاَفِ شَهَادَتِهِمَا , فَمَا رَأَيْت أَقَلَّ حَيَاءً مِمَّنْ قَالَ مَا ذَكَرْنَا وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ وَالأَسْتِخْفَافِ بِالْكَذِبِ عَلَى الْقُرْآنِ. وَالثَّالِثَةُ قَوْلُهُمْ : نُسِخَتْ عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَبَقِيَتْ عَلَى الْكُفَّارِ وَهَذَا بَاطِلٌ لأََنَّ الدِّينَ كُلَّهُ وَاحِدٌ عَلَيْنَا وَعَلَى الْكُفَّارِ , وَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِمْ ، وَلاَ لَهُمْ , إِلاَّ بِحُكْمِ الإِسْلاَمِ لَنَا وَعَلَيْنَا , إِلاَّ حَيْثُ جَاءَ النَّصُّ بِالْفَرْقِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَشَهَادَةُ الْعَبْدِ وَالأَمَةِ مَقْبُولَةٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ لِسَيِّدِهِمَا وَلِغَيْرِهِ كَشَهَادَةِ الْحُرِّ وَالْحُرَّةِ ، وَلاَ فَرْقَ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا : فَصَحَّ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ : أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَضَى فِي الصَّغِيرِ يَشْهَدُ بَعْدَ كِبَرِهِ , وَالنَّصْرَانِيِّ بَعْدَ إسْلاَمِهِ , وَالْعَبْدِ بَعْدَ عِتْقِهِ : أَنَّهَا جَائِزَةٌ إنْ لَمْ تَكُنْ رُدَّتْ عَلَيْهِمْ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ , وَعَطَاءٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِثْلَ ذَلِكَ. وَرُوِّينَا ذَلِكَ فِي شَهَادَةِ الْعَبْدِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْعَبْدِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ حَسَّانَ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْكَرْمَانِيُّ عَنْ إبْرَاهِيمَ الصَّائِغِ عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ : لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْمُكَاتَبِ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ , وَوَكِيعٍ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ : عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ , وَقَالَ وَكِيعٌ : عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالاَ جَمِيعًا : لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْعَبْدِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ مَكْحُولٍ لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْعَبْدِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ : شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ قَالَ : مِنْ الأَحْرَارِ قَالَ وَكِيعٌ : وَلاَ يُجِيزُ سُفْيَانُ شَهَادَةَ عَبْدٍ وَهُوَ قَوْلُ وَكِيعٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ , ، وَوَكِيعٌ , وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ , وَمُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ , قَالَ عِيسَى : عَنْ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ , وَقَالَ وَكِيعٌ : عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ , وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ : عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ , وَأَبِي عَوَانَةَ , قَالَ أَبُو عَوَانَةَ : عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ , وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ : عَنْ قَتَادَةَ عَنْ شُرَيْحٍ , وَقَالَ مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ : عَنْ أَشْعَثَ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْحُمْرَانِيِّ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ , وَقَالُوا كُلُّهُمْ : فِي الْعَبْدِ يُؤَدِّي الشَّهَادَةَ فَتُرَدُّ ثُمَّ يُعْتَقُ فَيَشْهَدُ بِهَا : أَنَّهَا لاَ تَجُوزُ , إِلاَّ الْحَسَنُ , وَالْحَكَمُ فَإِنَّهُمَا قَالاَ : إنَّهَا تَجُوزُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ إسْرَائِيلَ بْنِ يُونُسَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ : أَهْلُ مَكَّةَ , وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ : لاَ يُجِيزُونَ شَهَادَةَ الْعَبْدِ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ : لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْمُكَاتَبِ , وَلاَ يَرِثُ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ : إذَا شَهِدَ الْعَبْدُ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ , ثُمَّ أُعْتِقَ فَشَهِدَ بِهَا لَمْ تُقْبَلْ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ السَّبْعَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الزِّنَادِ. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ , وَالشَّافِعِيُّ , وَابْنُ أَبِي لَيْلَى , وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ , وَأَبُو عُبَيْدٍ , وَأَحَدُ قَوْلَيْ ابْنِ شُبْرُمَةَ. وَأَجَازَتْ طَائِفَةٌ شَهَادَةَ الْعَبْدِ فِي بَعْضِ الأَحْوَالِ , وَرَدَّتْهَا فِي بَعْضٍ : كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ , وَسُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ , ، وَإِبْرَاهِيمُ الْهَرَوِيُّ , قَالَ عَلِيٌّ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ شُرَيْحٍ , وَقَالَ سُلَيْمَانُ : عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَقَالَ الْهَرَوِيُّ : عَنْ هِشَامٍ أَنَا مُغِيرَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ : إنَّهُمْ ثَلاَثَتَهُمْ كَانُوا يُجِيزُونَ شَهَادَةَ الْعَبْدِ فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْمَازِنِيُّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ : لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ , وَتَجُوزُ لِغَيْرِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ فِي الْعَبْدِ يُعْتَقُ بَعْضُهُ أَنَّ شَهَادَتَهُ جَائِزَةٌ. وَأَجَازَتْ طَائِفَةٌ شَهَادَتَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ كَالْحُرِّ : كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ النَّخَعِيُّ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ : قَالَ شُرَيْحٌ : لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْعَبْدِ ; فَقَالَ عَلِيٌّ : لَكِنَّا نُجِيزُهَا , فَكَانَ شُرَيْحٌ بَعْدَ ذَلِكَ يُجِيزُهَا إِلاَّ لِسَيِّدِهِ. وبه إلى ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ قَالَ : سَأَلْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنْ شَهَادَةِ الْعَبْدِ فَقَالَ : جَائِزَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ قَالَ : شَهِدْت شُرَيْحًا شَهِدَ عِنْدَهُ عَبْدٌ عَلَى دَارٍ فَأَجَازَ شَهَادَتَهُ فَقِيلَ : إنَّهُ عَبْدٌ فَقَالَ شُرَيْحٌ : كُلُّنَا عَبِيدٌ وَإِمَاءٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَتِيقٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ : أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى بِشَهَادَةِ الْمَمْلُوكِ بَأْسًا إذَا كَانَ عَدْلاً وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي ، حَدَّثَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ : شَهَادَةُ الْعَبْدِ , وَالْمَرْأَةِ جَائِزَةٌ فِي النِّكَاحِ , وَالطَّلاَقِ. كَتَبَ إلَيَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ قَالَ : ، حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَاتِبُ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْمُغَلِّسِ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا عَفَّانَ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ : ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ : سُئِلَ إيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ شَهَادَةِ الْعَبْدِ قَالَ : أَنَا أَرُدُّ شَهَادَةَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَلَى الْإِنْكَارِ لِرَدِّهَا. قال أبو محمد : وَهُوَ قَوْلُ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى , وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ , وَأَبِي ثَوْرٍ , وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَأَصْحَابِهِمْ , وَأَحَدُ قَوْلَيْ ابْنِ شُبْرُمَةَ. قَالَ عَلِيٌّ : أَمَّا قَوْلُ عُمَرَ , وَعُثْمَانَ الَّذِي صَدَّرْنَا بِهِ فَهُوَ عَلَى الْحَنَفِيِّينَ , وَالْمَالِكِيِّينَ , وَالشَّافِعِيِّينَ لاَ لَهُمْ ; لأََنَّهُمْ خَالَفُوهُمَا فِي الصَّبِيِّ يَشْهَدُ فَيُرَدُّ , ثُمَّ يَبْلُغُ فَيَشْهَدُ. فَقَالُوا : يُقْبَلُ. وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ قَوْلِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ حُجَّةً , وَبَعْضُهُ غَيْرَ حَجَّةٍ , وَهَذَا تَلاَعُبٌ بِالدِّينِ مِمَّنْ سَلَكَ هَذَا الطَّرِيقَ وَهُوَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لاَ يَصِحُّ ; لأََنَّهُ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ , فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ إِلاَّ ابْنَ عُمَرَ , وَقَدْ صَحَّ خِلاَفُهُ عَنْ أَنَسٍ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِالآثَارِ , وَبَقِيَ الأَحْتِجَاجُ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ. قال أبو محمد : أَمَّا قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَمَنْ اتَّبَعَهُ : شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ مِنْ الأَحْرَارِ , فَبَاطِلٌ وَزَلَّةُ عَالِمٍ , وَتَخْصِيصٌ لِكَلاَمِ اللَّهِ تَعَالَى بِلاَ برهان , وَبِالضَّرُورَةِ يَدْرِي كُلُّ ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ : أَنَّ الْعَبِيدَ رِجَالٌ مِنْ رِجَالِنَا , وَأَنَّ الْإِمَاءَ نِسَاءٌ مِنْ نِسَائِنَا , قَالَ تَعَالَى : وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : قال أبو محمد : تَحْرِيفُ كَلاَمِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ مَوَاضِعِهِ مُهْلِكٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ , وَلَمْ يَقُلْ تَعَالَى : إنَّ كُلَّ عَبْدٍ فَهُوَ لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ , إنَّمَا ضَرَبَ اللَّهُ تَعَالَى الْمَثَلَ بِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِهِ هَذِهِ صِفَتُهُ , وَقَدْ تُوجَدُ هَذِهِ الصِّفَةُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الأَحْرَارِ , وَمَنْ نَسَبَ غَيْرَ هَذَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ كَذَبَ عَلَيْهِ جِهَارًا , وَأَتَى بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ; لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لاَ يَقُولُ إِلاَّ حَقًّا , وَبِالْمُشَاهَدَةِ نَعْرِفُ كَثِيرًا مِنْ الْعَبِيدِ أَقْدَرَ عَلَى الأَشْيَاءِ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الأَحْرَارِ. وَنَقُولُ لَهُمْ : هَلْ يَلْزَمُ الْعَبِيدَ الصَّلاَةُ , وَالصِّيَامُ , وَالطَّهَارَةُ , وَيُحَرَّمُ عَلَيْهِمْ مِنْ الْمَآكِلِ , وَالْمَشَارِبِ , وَالْفُرُوجِ , كُلُّ مَا يُحَرَّمُ عَلَى الأَحْرَارِ , فَمَنْ قَوْلُهُمْ : نَعَمْ , فَقَدْ أَكَذَبُوا أَنْفُسَهُمْ , وَشَهِدُوا بِأَنَّهُمْ يَقْدِرُونَ عَلَى أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ وَتَمْوِيهُهُمْ بِهَذِهِ الآيَةِ. وَقَالُوا : وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إذَا مَا دُعُوا. قَالُوا : وَالْعَبْدُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى أَدَاءِ الشَّهَادَةِ ; لأََنَّهُ مُكَلَّفٌ خِدْمَةَ سَيِّدِهِ. . فَقُلْنَا : كَذَبَ مَنْ قَالَ هَذَا , بَلْ هُوَ قَادِرٌ عَلَى أَدَاءِ الشَّهَادَةِ كَمَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّلاَةِ , وَعَلَى النُّهُوضِ إلَى مَنْ يَتَعَلَّمُ مِنْهُ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الدِّينِ. وَلَوْ سَقَطَ عَنْ الْعَبْدِ الْقِيَامُ بِالشَّهَادَةِ لِشُغْلِهِ بِخِدْمَةِ سَيِّدِهِ لَسَقَطَ أَيْضًا عَنْ الْحُرَّةِ ذَاتِ الزَّوْجِ لِشُغْلِهَا بِمُلاَزَمَةِ زَوْجِهَا. وقال بعضهم : الْعَبْدُ سِلْعَةٌ وَكَيْفَ تَشْهَدُ سِلْعَةٌ . فَقُلْنَا : فَكَانَ مَاذَا تَشْهَدُ السِّلْعَةُ , كَمَا يَلْزَمُ السِّلْعَةَ الصَّلاَةُ , وَالصِّيَامُ , وَالْقَوْلُ بِالْحَقِّ وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُتَعَلَّقًا , لاَ بِقُرْآنٍ , وَلاَ بِسُنَّةٍ , وَلاَ رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ , وَلاَ سَقِيمَةٍ , وَلاَ نَظَرٍ ، وَلاَ مَعْقُولٍ , وَلاَ قِيَاسٍ , إِلاَّ بِتَخَالِيطَ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ , وَأَهْذَارٍ بَارِدَةٍ وَقَدْ تَقَصَّيْنَا هَذَا فِي " كِتَابِ الْإِيصَالِ " وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. قال أبو محمد : وَكُلُّ نَصٍّ فِي قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ فِي شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِ الشَّهَادَاتِ فَكُلُّهَا شَاهِدَةٌ بِصِحَّةِ قَوْلِنَا , إذْ لَوْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ عليه الصلاة والسلام تَخْصِيصَ عَبْدٍ مِنْ حُرٍّ فِي ذَلِكَ لَكَانَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ : وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا قَالَ تَعَالَى : وَقَالَ تَعَالَى : وَأَمَّا مَنْ رَدَّهَا لِسَيِّدِهِ فَإِنَّهُ قَالَ : قَدْ يُجْبِرُهُ سَيِّدُهُ عَلَى الشَّهَادَةِ لَهُ. قلنا : لَوْ كَانَ هَذَا مَانِعًا مِنْ قَبُولِ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ لَكَانَ مَانِعًا مِنْ قَبُولِ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِلْإِمَامِ إذَا شَهِدَ لَهُ ; لأََنَّ الْإِمَامَ أَقْدَرُ عَلَى رَعِيَّتِهِ مِنْ السَّيِّدِ عَلَى عَبْدِهِ ; لأََنَّ الْعَبْدَ تُعْدِيهِ جَمِيعُ الْحُكَّامِ عَلَى سَيِّدِهِ إذَا تَظَلَّمَ مِنْهُ وَيَحُولُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَذَاهُ , وَلاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى أَنْ يَحُولَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالرَّجُلِ مِنْ رَعِيَّتِهِ , فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِ مُخَالِفِينَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَكُلُّ عَدْلٍ فَهُوَ مَقْبُولٌ لِكُلِّ أَحَدٍ وَعَلَيْهِ , كَالأَبِ وَالْأُمِّ لأَبْنَيْهِمَا , وَلأََبِيهِمَا وَالأَبْنِ وَالأَبْنَةِ لِلأَبَوَيْنِ وَالأَجْدَادِ , وَالْجَدَّاتِ , وَالْجَدِّ , وَالْجَدَّةِ لِبَنِي بَنِيهِمَا , وَالزَّوْجِ لأَمْرَأَتِهِ , وَالْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا , وَكَذَلِكَ سَائِرُ الأَقَارِبِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ , كَالأَبَاعِدِ ، وَلاَ فَرْقَ. وَكَذَلِكَ الصَّدِيقُ الْمُلاَطِفُ لِصَدِيقِهِ , وَالأَجِيرُ لِمُسْتَأْجِرِهِ , وَالْمَكْفُولُ لِكَافِلِهِ , وَالْمُسْتَأْجِرُ لأََجِيرِهِ , وَالْكَافِلُ لِمَكْفُولِهِ , وَالْوَصِيُّ لِيَتِيمِهِ. وَفِيمَا ذَكَرْنَا خِلاَفٌ : فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقٍ لاَ تَصِحُّ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ لاَ يُقْبَلُ الأَبُ لأَبْنِهِ , وَلاَ الأَبْنُ لأََبِيهِ , وَلاَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِلآخَرِ. وَصَحَّ هَذَا كُلُّهُ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ , وَعَنْ الْحَسَنِ , وَالشَّعْبِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمَا فِي الأَبِ , وَالأَبْنِ. وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ , وَالشَّعْبِيِّ : قَوْلٌ آخَرُ , وَهُوَ أَنَّ الْوَلَدَ يُقْبَلُ لأََبِيهِ , وَلاَ يُقْبَلُ الأَبُ لأَبْنِهِ ; لأََنَّهُ يَأْخُذُ مَالَهُ مَتَى شَاءَ , وَأَنَّ الزَّوْجَ يُقْبَلُ لأَمْرَأَتِهِ ، وَلاَ تُقْبَلُ هِيَ لَهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى , وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. وَلَمْ يُجِزْ الأَوْزَاعِيِّ , وَالثَّوْرِيُّ , وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ , وَأَبُو عُبَيْدٍ الأَبَ لِلأَبْنِ , وَلاَ الأَبْنَ لِلأَبِ. وَأَجَازُوا الْجَدَّ وَالْجَدَّةَ لأََوْلاَدِ بَنِيهِمَا , وَأَوْلاَدَ بَنِيهِمَا لَهُمَا. وَلَمْ يُجِزْ أَبُو حَنِيفَةَ , وَمَالِكٌ , وَالشَّافِعِيُّ أَحَدًا مِنْ هَؤُلاَءِ , إِلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَجَازَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ لِلآخَرِ. وَأَمَّا مَنْ رُوِيَ عَنْهُ إجَازَةُ كُلِّ ذَلِكَ : فَ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ , قَالَ : قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : تَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ , وَالْوَلَدِ لِوَالِدِهِ , وَالأَخِ لأََخِيهِ. وَعَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مِثْلُ هَذَا. وَرُوِيَ : أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه شَهِدَ لِفَاطِمَةَ رضي الله عنها عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه وَمَعَهُ أُمُّ أَيْمَنَ فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ : لَوْ شَهِدَ مَعَك رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ أُخْرَى لَقَضَيْت لَهَا بِذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ : لَمْ يَكُنْ يَتَّهِمُ سَلَفُ الْمُسْلِمِينَ الصَّالِحُ شَهَادَةَ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ , وَلاَ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ , وَلاَ الأَخِ لأََخِيهِ , وَلاَ الزَّوْجِ لأَمْرَأَتِهِ ثُمَّ دَخَلَ النَّاسُ بَعْدَ ذَلِكَ , فَظَهَرَتْ مِنْهُمْ أُمُورٌ حَمَلَتْ الْوُلاَةَ عَلَى اتِّهَامِهِمْ , فَتُرِكَتْ شَهَادَةُ مَنْ يُتَّهَمُ إذَا كَانَتْ مِنْ قَرَابَةٍ وَصَارَ ذَلِكَ مِنْ الْوَلَدِ , وَالْوَالِدِ , وَالأَخِ , وَالزَّوْجِ , وَالْمَرْأَةِ , لَمْ يُتَّهَمْ إِلاَّ هَؤُلاَءِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَازِبٍ عَنْ جَدِّهِ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ قَالَ : كُنْت جَالِسًا عِنْدَ شُرَيْحٍ , فَأَتَاهُ عَلِيُّ بْنُ كَاهِلٍ , وَامْرَأَةٌ وَخَصْمٌ لَهَا , فَشَهِدَ لَهَا عَلِيُّ بْنُ كَاهِلٍ وَهُوَ زَوْجُهَا وَشَهِدَ لَهَا أَبُوهَا , فَأَجَازَ شُرَيْحٌ شَهَادَتَهُمَا , فَقَالَ الْخَصْمُ : هَذَا أَبُوهَا , وَهَذَا زَوْجُهَا. فَقَالَ لَهُ شُرَيْحٌ : هَلْ تَعْلَمُ شَيْئًا تُجَرِّحُ بِهِ شَهَادَتَهُمَا كُلُّ مُسْلِمٍ شَهَادَتُهُ جَائِزَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ قَالَ : سَمِعْت شُرَيْحًا : أَجَازَ لأَمْرَأَةٍ شَهَادَةَ أَبِيهَا وَزَوْجِهَا فَقَالَ الرَّجُلُ : إنَّهُ أَبُوهَا وَزَوْجُهَا. فَقَالَ شُرَيْحٌ : فَمَنْ يَشْهَدُ لِلْمَرْأَةِ إِلاَّ أَبُوهَا وَزَوْجُهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ , قَالَ : شَهِدْت لأَُمِّي عِنْدَ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ , فَقَضَى بِشَهَادَتِي. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ قَالَ : أَجَازَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ شَهَادَةَ الأَبْنِ لأََبِيهِ إذَا كَانَ عَدْلاً. فَهَؤُلاَءِ : عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ , وَجَمِيعُ الصَّحَابَةِ , وَشُرَيْحٌ , وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ. وَبِهَذَا يَقُولُ إيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ , وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ , وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ , وَأَبُو ثَوْرٍ , وَالْمُزَنِيُّ , وَأَبُو سُلَيْمَانَ , وَجَمِيعُ أَصْحَابِنَا. وَرَأَى الشَّافِعِيُّ : وَأَصْحَابُهُ : قَبُولَ شَهَادَةِ الزَّوْجَيْنِ : كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلآخَرِ وَرَأَى الأَوْزَاعِيِّ : أَنْ لاَ يُقْبَلُ الأَخُ لأََخِيهِ. وَذَكَرَ ذَلِكَ الزُّهْرِيُّ عَنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْوُلاَةِ الَّذِينَ رَدُّوا الأَبَ لأَبْنِهِ وَالأَبْنَ لأََبِيهِ , وَأَحَدَ الزَّوْجَيْنِ لِصَاحِبِهِ. وَأَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيُّ : الأَخَ لأََخِيهِ. وَأَجَازَ مَالِكٌ لأََخِيهِ إِلاَّ فِي النَّسَبِ خَاصَّةً. وَرَدَّ مَالِكٌ شَهَادَةَ الصَّدِيقِ الْمُلاَطِفِ لِصِدِّيقِهِ قال أبو محمد : احْتَجَّ الْمُخَالِفُونَ لَنَا بِ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ يَزِيدَ الْجَزَرِيِّ , قَالَ : أَحْسَبُهُ يَزِيدَ بْنَ سِنَانٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ خَائِنٍ ، وَلاَ خَائِنَةٍ , وَلاَ ظَنِينٍ فِي وَلاَءٍ أَوْ قَرَابَةٍ , وَلاَ مَجْلُودٍ فِي حَدٍّ. قال أبو محمد : وَهَذَا عَلَيْهِمْ لاَ لَهُمْ لِوُجُوهٍ : أَوَّلُهَا أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ لأََنَّهُ عَنْ يَزِيدَ وَهُوَ مَجْهُولٌ فَإِنْ كَانَ يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ فَهُوَ مَعْرُوفٌ بِالْكَذِبِ , ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانُوا أَوَّلَ مُخَالِفٍ لَهُ فِي مَوْضِعَيْنِ : أَحَدُهُمَا تَفْرِيقُهُمْ بَيْنَ الأَخِ وَالأَبِ , وَبَيْنَ الْعَمِّ وَابْنِ الأَخِ , وَبَيْنَ الأَبِ وَالأَبْنِ وَكُلُّهُمْ سَوَاءٌ إذْ هُمْ مُتَقَارِبُونَ فِي التُّهْمَةِ بِالْقَرَابَةِ. وَكُلُّهُمْ يُجِيزُ الْمَوْلَى لِمَوْلاَهُ وَهَذَا خِلاَفُ الْخَبَرِ. وَكُلُّهُمْ يُجِيزُ الْمَجْلُودَ فِي الْحَدِّ إذَا تَابَ وَهُوَ خِلاَفُ هَذَا الْخَبَرِ فَمَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً , أَوْ أَفْسَدُ دَلِيلاً مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِخَبَرٍ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِ , وَهُوَ مُخَالِفٌ لَهُ. وَذَكَرُوا : مَا رُوِّينَاهُ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حُمَيْدٍ قَالَ : كَتَبَ عُمَرُ إلَى أَبِي مُوسَى : الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاَّ مَجْلُودًا فِي حَدٍّ , أَوْ مُجَرَّبًا عَلَيْهِ شَهَادَةُ زُورٍ , أَوْ ظَنِينًا فِي وَلاَءٍ , أَوْ فِي قَرَابَةٍ , وَالْقَوْلُ فِي هَذَا كَاَلَّذِي قَبْلَهُ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ قَطُّ عَنْ عُمَرَ , ثُمَّ قَدْ خَالَفُوهُ كَمَا ذَكَرْنَا سَوَاءً وَالأَثْبَتُ عَنْ عُمَرَ : قَبُولُ الأَبِ لأَبْنِهِ. وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا : احْتِجَاجُهُمْ فِي هَذَا بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنْتَ وَمَالُكَ لأََبِيكَ. وَمِنْ أَمْرِهِ هِنْدًا بِأَخْذِ قُوتِهَا مِنْ مَالِ زَوْجِهَا. وَهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا. وَأَمَّا نَحْنُ فَنُصَحِّحُهُمَا , وَنَقُولُ : لَيْسَ فِيهِمَا مَنْعٌ مِنْ قَبُولِ شَهَادَةِ الأَبْنِ لأََبَوَيْهِ , وَلاَ مِنْ قَبُولِ الأَبَوَيْنِ لَهُ وَإِنْ كَانَ هُوَ وَمَالُهُ لَهُمَا فَكَانَ مَاذَا وَنَحْنُ كُلُّنَا لِلَّهِ تَعَالَى وَأَمْوَالُنَا وَقَدْ أَمَرَنَا بِأَنْ نَشْهَدَ لَهُ عَزَّ وَجَلَّ , فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : قال أبو محمد : وَهَذِهِ أَعْظَمُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ ; لأََنَّ مِنْ الشُّكْرِ لَهُمَا بَعْدَ شُكْرِ اللَّهِ تَعَالَى : أَنْ يَشْهَدَ لَهُمَا بِالْحَقِّ , وَلَيْسَ مِنْ الشُّكْرِ لَهُمَا أَنْ يَشْهَدَ لَهُمَا بِالْبَاطِلِ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : فَإِنْ قَالُوا : نَعَمْ , خَالَفُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ عليه الصلاة والسلام وَإِجْمَاعَ الْأُمَّةِ الْمُتَيَقَّنَ وَتَرَكُوا قَوْلَهُمْ. وَإِنْ قَالُوا : لاَ , قلنا : سُبْحَانَ اللَّهِ , وَاَللَّهِ مَا عَلَى أَدِيمِ الأَرْضِ مَنْ يَقُولُ : إنَّهُ مُسْلِمٌ يَتَّهِمُ أَبَا ذَرٍّ , وَأُمَّ سَلَمَةَ رضي الله عنهما أَنَّهُمَا يَدَّعِيَانِ الْبَاطِلَ فِي الدُّنْيَا بِأَسْرِهَا , فَكَيْفَ فِي دِرْهَمٍ عَلَى يَهُودِيٍّ ثُمَّ نَسْأَلُهُمْ أَتُبَرِّئُونَ الْيَهُودِيَّ الْكَذَّابَ الْمَشْهُورَ بِالْفِسْقِ بِيَمِينِهِ مِنْ دَعْوَاهُمَا فَمَنْ قَوْلُهُمْ : نَعَمْ , قلنا لَهُمْ : وَهَلْ مَقَرُّ التُّهْمَةِ , وَالظِّنَّةِ , إِلاَّ فِي الْكُفَّارِ الْمُتَيَقَّنِ كَذِبُهُمْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى رَسُولِهِ عليه الصلاة والسلام. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ : مِنْ إعْطَاءِ مَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ : الْمُدَّعِيَ الْمَالَ الْعَظِيمَ بِدَعْوَاهُ وَيَمِينِهِ , وَإِنْ كَانَ أَشْهَرُ فِي الْكَذِبِ وَالْمُجُونِ مِنْ حَاتِمٍ فِي الْجُودِ , إذَا أَبَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الْيَمِينِ , وَإِعْطَاءِ أَبِي حَنِيفَةَ إيَّاهُ ذَلِكَ بِدَعْوَاهُ الْمُجَرَّدَةِ بِلاَ بَيِّنَةٍ ، وَلاَ يَمِينٍ , وَلاَ يَتَّهِمُونَهُ بِرَأْيِهِمْ : لاَ بِقُرْآنٍ ، وَلاَ بِسُنَّةٍ , ثُمَّ يَتَّهِمُونَ النَّاسِكَ الْفَاضِلَ الْبَرَّ التَّقِيَّ فِي شَهَادَتِهِ لأَبْنِهِ , أَوْ لأَمْرَأَتِهِ أَوْ لأََبِيهِ بِدِرْهَمٍ نَبْرَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ الَّتِي لاَ شَيْءَ أَفْسَدُ مِنْهَا. قال أبو محمد : وَهُمْ يُشَنِّعُونَ بِخِلاَفِ الصَّاحِبِ لاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ , وَقَدْ خَالَفُوهُ هَاهُنَا , وَلاَ يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ. ثُمَّ قَدْ حَكَى الزُّهْرِيُّ : أَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ الصَّدْرُ الأَوَّلُ فِي قَبُولِ الأَبِ لأَبْنِهِ وَالزَّوْجَيْنِ أَحَدِهِمَا لِلآخَرِ , وَالْقَرَابَةِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ حَتَّى دَخَلَتْ فِي النَّاسِ الدَّاخِلَةُ وَهَذَا إخْبَارٌ عَنْ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، فَكَيْفَ اسْتَجَازُوا خِلاَفَهُمْ لِظَنٍّ فَاسِدٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ. ثُمَّ لَيْتَ شِعْرِي : مَا الَّذِي حَدَثَ مِمَّا لَمْ يَكُنْ , وَاَللَّهِ لَقَدْ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ هُمْ شَرُّ خَلْقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالْكُفَّارُ , وَالزُّنَاةُ , وَالسُّرَّاقُ , وَالْكَذَّابُونَ , فَمَا نَدْرِي مَا الَّذِي حَدَثَ , وَحَاشَ لِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يَحْدُثَ شَيْءٌ بِغَيْرِ الشَّرِيعَةِ. وَنَحْنُ نَشْهَدُ بِشَهَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : أَنَّهُ تَعَالَى لَوْ أَرَادَ أَنْ لاَ يُقْبَلَ أَحَدٌ مِمَّنْ ذَكَرْنَا لِمَنْ شَهِدَ لَهُ لَبَيَّنَهُ وَمَا أَغْفَلَهُ فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِ مُخَالِفِينَا بِيَقِينٍ لاَ مِرْيَةَ فِيهِ. وأعجب شَيْءٍ أَنَّهُمْ أَجَازُوا الأَخَ لأََخِيهِ وَالزُّهْرِيُّ يَحْكِي عَنْ الْمُتَأَخِّرِينَ اتِّهَامَهُمْ لَهُ , فَقَدْ خَالَفُوا مَنْ تَقَدَّمَ وَمَنْ تَأَخَّرَ , وَكَفَى بِهَذَا شُنْعَةً. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
|